تمهيد: 
عندما أُقرّ اتفاق كيري- لافروف في الثاني عشر من أيلول الجاري ، استبشرنا خيراً بقرب نهاية معاناة حلب الدامية والمستعصية حتى الآن، على الرغم من التّوجُس الدائم من نوايا العملاقين في مجريات الأزمة السورية، ذلك أنّ اتفاقاً لوقف النار لمدة سبعة أيام، قد تكون كافية لبناء ثقة مطلوبة بين أميركا وروسيا، فضلاً عن ضرورة وقف القصف الجوي لأحياء حلب الشرقية، والإعداد لإنشاء مركز مشترك بين الطرفين لتوجيه الضربات الجوية ضد داعش، واستئناف المحادثات السورية السلمية، ورفع القيود عن وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة.
أولاً: الأسد يطيح بنود الاتفاق:
ظهر الأسد مُغاظاً من إبرام اتفاقية هدنة من وراء ظهره، وتكشف صحيفة "موسكو تايمز" سر الغيظ هذا والرفض ومن ثمّ الانقلاب على الاتفاق، فالاتفاق كما يذكر فلاديمير فرولوف في الصحيفة المذكورة كان يهدف إلى تعبيد الطريق أمام مشاركة جبهة "فتح حلب"، وهي تحالف مجموعات تُقاتل نظام الأسد حول حلب وتدعمها أميركا وتركيا، في محادثات السلام، وهذا ما رفضه الأسد، لذا سعى إلى نسف الاتفاق، واتخذ من قصف القوات الجوية الأميركية مركزاً للجيش السوري "بالخطأ"  ذريعةً كافية لنسف الاتفاق، في حين يرى فرولوف أنّ الجيش الروسي يتحمل المسؤولية الكبرى عن الخطأ، ذلك أنّه لم يكن كما يبدو على بيّنة من مواقع الجيش السوري في المنطقة المستهدفة، لإخطار الاميركيين بذلك، وهكذا عمد النظام إلى قصف قافلة المساعدات الإنسانية العائدة للأمم المتحدة، فكانت المسمار الأخير في نعش الاتفاق الأميركي الروسي.
ثانياً: التواطؤ الروسي والتباطؤ الأميركي:
بدل أن ترعى روسيا الاتفاق وتمنحه تأييدها الكامل، فهو يعطيها الأفضلية في توجيه الأزمة السورية، عبر تواجدها العسكري على الأرض، وصلاتها الوثيقة مع رأس النظام، عمدت إلى مُجاراة الأسد حيناً، وتشجيعه حيناً آخر على خرق الاتفاق، فبدل الاعتراف بخطأ قصف القافلة الإنسانية، راحت روسيا تجري تحقيقات علّها تنسبُ الفعل للخطأ، وراحت تروي روايات مختلفة تتغير كل ١٢ ساعة، وقد يظنُّ البعض أنّ قدرتها على التأثير على الرئيس السوري ضئيلة، إلاّ أنّ الواقع، أنّها تميل إلى استكمال خوض الحرب معه، علّها تُعدّل من بنود اتفاق جنيف، ودفع الولايات المتحدة الأميركية للموافقة على إدراج "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" اللذين يُشكّلان التهديد الرئيسي للأسد في لائحة التنظيمات الإرهابية، إلاّ أنّ مجريات القصف اليومي لمدينة حلب، والاستعداد لمهاجمتها واحتلالها دفع الولايات المتحدة إلى إظهار حزنها واستيائها واستنكارها، وإن يكن ذلك ببُطئٍ ملحوظ يرافق حركة وزير الخارجية كيري، ومع ذلك، فإنّ الغطرسة الأسدية والامعان الروسي في كسر شوكة الشعب السوري لصالح النظام، قد تدفع الأميركيين للوصول إلى استحالة التعاون العسكري والسياسي مع الروس، ومن هنا شهدنا تصريحات السماح بوصول أسلحة متطورة وكافية للمعارضة عن طريق دول الخليج.
وأخيراً، وللأسف، فإنّ أبواب الحرب ما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات، بعد احتضار اتفاق كيري-لافروف، الذي وُلد في الاصل هزيلاً غير مُعافى.