قبل كل شيء، دعونا نقر ونعترف ومن دون معاندةٍ ومكابرةٍ،بأن أكثر النخب الفكرية والسياسية والدينية والإجتماعية، إن لم تكن كلها في منطقتنا ومجتمعنا،نراها منقسمة إلى أكثر من إتجاه،ما بين عصبية رجعية متأسلمة، وبين إنتهازية بالكسب أم بالفطرة لا ندري من أي طينة جبلت وعجنت، وما بين ثلة فاسدة ومفسدة وهي على إستعدادٍ دائم للأكل على جميع موائد الأحزاب المستمرة بموالدها ما دامت عامرة بالإطعام،وممسكة بتلابيب قنصل رب الدولة والشعب والأرض، ونعتقد أننا لسنا بحاجة إلى سوق مزيدٍ من الأدلة على واقعنا المرير التي تعج به أشاوس الإسلاميين الملتحية بلحية قوافل قريش، التي لا تكل ولا تمل من الجهاد.. ناهيك عن تجاربها التي دمرت العباد والبلاد، والتجربة خير زيادة في التعقل والتبصر.فإن كان حقاً كما يقولون: كما نكون يُولَّى علينا...أو أنَّ الناس على دين ملوكهم..أو أنَّ الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن..فالأمر الطبيعي هنا والإنصاف يقضيان أن نلتمس العذر للبسطاء من الناس الذين يركضون وراء لقمة العيش، وتحسين أوضاعهم الحياتية المتردية كالنطيحة، والذين يصمتون ويسكتون من أجل الحفاظ على ما يُراهنون عليه ولو في المنظور البعيد وربما يكون ما بعد حتفهم، لكننا كيف يمكن أن نكون من المتسامحين مع تلك النخبة التي نعتبرها هي خشبة خلاص أو سكة قطار تقودنا وتقود المجتمع نحو حياة أرقى وأفضل وتسعى لرفع المعاناة والقهر من سيوف قوافل العير التي سلطت على الرقاب وعقول الأكثرية الساحقة لأنها نخبةٌ إختصها الله وإجتباها وحباها بالعقل والعلم والفكر والمعرفة دون بقية زحمة البشر، كيف يمكن أن نتصور من تلك النخبة التي باتت تقدس حذاءً فضلاً من مرتديه، لأنه يحمل شعار فلسطين، وما أدراك ما فلسطين؟ماذا جلبوا لها ولشعبها وأهلها،غير الويل والثبور وعظائم الأمور والخراب والدمار مقابل حفنة سلاحٍ بدائيٍ، أو شعارات خرقاء،ناهيك عما يجري في بلادنا العربية والإسلامية، إنها نخبةٌ إنتهازيةٌ أصبحت كما الأحزاب الملتحية التي تتاجر بأوجاع الناس وألامها، وأصبحت تتقن فن بيع الوهم، تحت شعار قومية أممية عربية للدفاع عن مصالح الناس، في الوقت الذي تناست فقرهم وحاجتهم، لا فرق بينها وبين الأحزاب الإسلاموية، بل ربما هذه تكون منسجمة على الأقل بما تحمل من معتقدات..فأصبح القومجي اليساري يعلم ببواطن الأرض وطرق السماء،ومطَّلعٌ على أسرار دول العالم وأسرار الكون، إنه العربي اليساري أصبح (قنصل ربنا) كما الأصولي (وكيل ربنا) نعم إنه يدرك كل شيئ حتى نوايا العالم، غير أنه قد لا يقترب أبداً من قناعاته ولا يتأملها بل يدرك فشلها،وأصبح يطلق رصاصاته (كلشنكوفية) ثم يا ويلك ما إذا ألقت بك المقادير في مجلس واحدٍ منهم وحفرياته،فاعلم أنك هالكٌ لا محالة، ولا يتورع عن إيذاءك وإتهامك ورميك بالمؤامرة وبكل ما يملك من سهام بني عبس وسيوف بني أسد، ربما نكون من المخطئين القابضين على جمر عقولنا لو قادنا الأمر إلى مجلسٍ يجتمع فيه الإثنان، فاعلم أنك هالك لأنك عدو الله والأمة.