لا يزال الرئيس الأميركي باراك أوباما مقتنعاً بسياسة الانفتاح على إيران الإسلامية، بداية من أجل وقف برنامجها النووي المتسارع، ولاحقاً من أجل الاتفاق معها على إعادة الاستقرار الى منطقة الشرق الأوسط، والتعاون مع كل دولها ضد إرهاب التطرّف الاسلامي. وهي سياسة قرّرها فور فوزه بالولاية الرئاسية الأولى ولا يزال مقتنعاً بأنها كانت في صالح بلاده والشرق الأوسط والعالم، وبأنها ستبقى كذلك رغم الخيبات التي تسبّبت بها له المرجعية الأولى والأخيرة في إيران أولاً لتمسّكها بمشروعها الخارجي الطموح المنطلق من "الهلال الشيعي"، وثانياً لتنصّلها من التزامات اتخذت.
وقد اعتبر أوباما ذلك نوعاً من الغش. علماً أن عدداً كبيراً من الأميركيين المصابين مثله بخيبة أو ربما بصدمة من إيران يحمّلونه مسؤولية ذلك، بسبب طيبة ما عنده يعتبرها الكثيرون سذاجة منتشرة في أميركا. علماً أنها سذاجة ناجمة عن إيمان بأن الناس طيّبون وغير أشرار الى أن يثبتوا العكس. ويبدو أن أوباما والذين في معسكره، كما الذين واجهوه بضراوة لافشال انفتاحه على إيران، تثّبتوا من هذه المقولة الأمر الذي يفرض عليها (أي إيران) التنبّه والتحوّط ومحاولة تصحيح أخطاء وتصرفات متعمّدة قبل أن تسلك أميركا الطريق الأخرى أي طريق إظهار وجهها القاسي والبشع. وهي قادرة على ذلك.
ما هي تعليقات صديق أميركي متابع علاقات بلاده وإيران أو لاعلاقاتها المستمرة رغم الاتفاق النووي على التحليل المشروح أعلاه؟
يقول معلّقاً أن الأمل في التقارب بين واشنطن وطهران، الذي كان هدف الإدارة في الأولى وغالبية الشعب في الثانية مع بعض الاصلاحيين، انتهى وصار غير قابلاً للتجسيد إذا جاز التعبير. فالمرشد والولي الفقيه السيد علي خامنئي و"الحرس الثوري" وجّهوا بأعمالهم الميدانية ومواقفهم رسالة لأميركا بل للغرب والعالم لا يمكن لأحد أن يخطئ فهمها أو يسيئه. نتيجة ذلك تصاعد تردّي الوضع في العراق وسوريا واحتمال بلوغه درجة أو مستوى بالغ الخطورة. وستحصل لقاءات بين المسؤولين في واشنطن وربما أوباما في مقدمهم ورئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، وسيثيرون معه عدم قدرته على إنجاز وضع سياسي وحكومي وشعبي متماسك ومتبنٍّ لخطة أو "أجندة" وطنية لا تستثني أحداً من مكوّنات البلاد، سواء بالنسيان أو بالتجاهل أو بالتعمّد. طبعاً يعرف الأميركيون أسباب فشل العبادي وعجزه، لكنهم يريدون من خلال البحث معه إبلاغ الإيرانيين أنهم سئموا ألاعيبهم وأن "كيلهم قد طفح". والأهم من ذلك يضيف الصديق الأميركي المتابع هو التصرّف المتهوِّر والطائش لتجربة "الحرس الثوري" في الخليج. والقادة الكبار له سيرتكبون خطأً كبيراً جداً إذا ظنّوا أنهم بالتحرّش بالسفن الحربية الأميركية أو بمحاولة مطاردتها، سيتمكنون من طرد أميركا من هذه المنطقة. وسيدفعون ثمن خطئهم. فأميركا ستبقى في الخليج لضمان مرور كل أنواع السفن فيه (الملاحة البحرية) وخصوصاً الناقلات الضخمة للنفط والغاز ولمواد أخرى. وحلفاؤها الغربيون سيقدّمون إليها كل أنواع المساعدة إذا احتاجت إليها. وقد أعطى المسؤولون المعنيون في واشنطن قادة البحرية الحربية العاملة في الخليج "قواعد لعبة" جديدة أكثر وضوحاً من السابق. كما تركوا الإيرانيين يعرفون أو يدركون أن صبر أميركا حيال إيران قد نفد. وإذا وقع حادث مؤسف فإن أميركا تعرف وبدقة أين تجد سفن "الحرس الثوري" وزوارقه وثكناته. وإذا احتاج الأمر فإنها ستكون أول الأهداف العسكرية. ورغم ذلك، يستدرك الصديق المتابع نفسه، فإن أميركا مستعدة لأن تمارس قليلاً جداً من الصبر اعتقاداً منها أن ما يريده "الحرس الثوري" من نشاطاته المتهوّرة في الخليج، هو العودة الى ما كانت الحال عليه أيام الشاه قبل الثورة عليه عام 1979، عندما كانت البحريتان الأميركية والإيرانية تتوليان ضمان حرية الملاحة في الخليج. وهذه العودة لن تتحقّق. ذلك أن انعدام الثقة بين واشنطن وإيران كبير جداً. علماً أن عدداً من المسؤولين في الأولى يعملون لأن تمارس إدارة أوباما حالياً سياسة "لملمة" (Lowkey) من أجل مساعدة رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية حسن روحاني، الذي عمل بجد لانفتاح ايران وأميركا بعضهما على بعض، والذي يواجه وقبل الانتخابات الرئاسية السنة المقبلة حملة شرسة من "الحرس" والمتشددين وربما بعض الإصلاحيين، بضوء أخضر من الولي الفقيه خامنئي.
ماذا يقول الصديق الأميركي المتابع نفسه عن "العلاقة" الروسية – الأميركية بعد تعثر أو ربما إخفاق الاتفاق الأخير لوقف النار في سوريا؟