استفقنا منذ زمن على بكاء وأنين كتائبي مزعج حول الوجود الفلسطيني لناحية التوطين لما في ذلك من تغيير جوهري في الديمغرافية اللبنانية الدقيقة التوازن واستهلك المسيحيون الخوف على وجودهم كأقلية في مراحل الحرب الأهلية وتبين بعد هدم البلد وتدمير الدولة ان التوطين مجرد مسرحية قابلة للتمثيل السياسي فقط وغير صالحة للتطبيق لعدم توفر مصلحة فلسطينية وعربية في  جعل نكتة التوطين واقعاً لأن ذلك سيضر بالثورة الفلسطينية التي" تعتاش" وتتغذى على الشعارات النرجسية من مقولة الصراع مع اسرائيل الى حقّ العودة وما بين الشعارين من لزوم بقاء الفلسطيني على سلاحه لتنتعش الثورة من دمائهم .
هناك فرق بين الوجود الفلسطيني المسلح والذي عكس واقع حرب عبثية وبين الوجود الفلسطيني المسالم والخاضع للقوانين والأنظمة اللبنانية فالوقوف بوجه الوجود الأول كان ضرورياً أمّا محاربة الثاني ففيه اختلاف بين اللبنانيين ويُبرر للمسيحيين خوفهم  على أن لا يدفعهم خوفهم الى استهلاك الحياة السياسية تحت وطأة المخاوف الموجودة أيضاً حتى عند المسلمين الشيعة وقد أسهمت حركة أمل في استنزاف نفسها لمقاومة مسرحية التوطين الفلسطيني .
بعد حقبة مليئة بالحروب تبين أن التوطين غير ممكن وانكفأ الخطاب المسيحي عن الفلسطينيين وعاد من جديد مع نائب كتلة الاصلاح والتغيير نعمة الله أبي نصر المتفرغ للموضوع الفلسطيني من زاوية التوطين ومن ثم نام الافتعال الممّل لصالح بروز عصبية مسيحية جديدة من الوجود السوري النازح جرّاء حرب ضروس يشارك فيها اللبنانيون وبقوّة وهم معنيون مباشرون بالحرب ونتائجها سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين وفي فريق 8 أو 14 آذار ومع ذلك هناك من يرى في النزوح السوري الكثيف خطراً لناحية التوطين أيضاً .
للأسف المسيحيون على اختلاف مواقف قياداتهم يتفقون على فكرة الخوف من التوطين رغم استحالة الأمر وهم يعلمون تماماً أن لا مجال في لبنان للتوطين ويفعلون اليوم بالسوريين ما فعلوه بالفلسطينيين لجهة دق ناقوس الخطر وتحشيد الرأي العام اللبناني ضدّ السوريين الذين ساهموا هم في الحرب التي دفعتهم الى ترك بيوتهم والهرب الى لبنان وغيره من خلال مواقف التأييد أو التنديد بالنظام والمعارضة السورية والوقوف الى جانب المقاتلين في سورية .
يدفع الاعلام المسيحي من خلال عائلاته السياسية الى اثارة مخاوف التوطين السوري المستحيل لشدّ عُرى عصبية طائفية ومذهبية ومن نفس الخلفية التي انطلق المسيحيون منها مع الوجود الفلسطيني وقد  ساهمت القيادات المسيحية في استحضاره الى لبنان وتحميل اللبنانيين عبء الوجود وكلفة الصراع العربي – الاسرائيلي كما تساهم القيادات المسيحية اليوم في استحضار الوجود السوري بطريقة غير مباشرة .
لا شك بأن الوجود السوري عبء كبير وعلينا أن نبحث عن سُبل واقعية لحماية النظام العام ودرأ الأخطار الناتجة عن ذلك ولكن أن نعيد بناء خطابات جديدة للاستهلاك السياسي والتوظيف الطائفي فهذا أمر غير مبرر على الاطلاق وحبذا لو نخفف من حجم التوظيف السياسي الرخيص وعدم الدفع بعجلة الطائفية الى الأمام ومعالجة الوجودين الفلسطيني والسوري وغيرهما من رؤية وطنية شاملة لا من زاوية شخصية وحزبية أو طائفية ضيقة .