الكلام الحاد والقاسي واللاذع لنائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم في الموضوع الرئاسي اللبناني يمكن تفسيره بطريقتين متناقضتين. الأولى هي أنه يدفع "المستقبل" والسُنّة عموماً إلى مزيد من الرفض للمرشّح الرئاسي ميشال عون. والثانية هي أنّه يرمي إلى إقناع الرئيس سعد الحريري بأنّ "مستقبله" وتيّاره هو مع "الحزب" ومرشّحه، أي رئاسته للحكومة بعد انتخاب رئيس للجمهوريّة.
والمنطق يًشير إلى أن التفسير الأوّل أقرب إلى الصحّة رغم أن كلام قاسم فتح الباب جزئيّاً أمام عودة الحريري إلى السرايا الحكوميّة بقوله: "إن انتخاب عون في مصلحة "المستقبل". فهو يدفع الزعيم المستقبلي من أجل تعويم وضعه السياسي إلى قبول مرشّح رئاسي لم يُفوّت مناسبة لمهاجمة سُنّة لبنان بعد تفاهمه مع "حزب الله"، ولتحميلهم تراجع الوضع المسيحي فيه، ولتحريض الشيعة عليهم. وفي وسائل الإعلام أدلّة على ذلك لا تُعدّ ولا تُحصى. ويدفعه إلى قبول مرشّح مُشترِك مع "الحزب" وراعيته إيران الإسلاميّة في الحملة السياسيّة والإعلاميّة على العربيّة السعوديّة باعتبارها رأس الشر والمعاصي في العالم الإسلامي. ولا تُنسي مواقفه المهادنة للسُنّة اللبنانيّين وللسعوديّة منذ الشغور الرئاسي مواقفه الأخرى المُعادية للإثنين. فالناس لا يَنسون أن المنطقة تعيش صراعاً مذهبيّاً عسكريّا في بعض دولها وسياسيّاً يمكن أن يتحوّل عسكريّاً في بعض آخر منها. واستعادة عون ثقة هؤلاء ليست سهلة، علماً أنّها غير متوافرة أساساً. فضلاً عن أن اتّخاذ مواقف تُسهِّل استعادتها صعب بل مستحيل بسبب حرص حليفه "حزب الله" على إبقائه في دائرتيه المحليّة والإقليميّة وعجزه عن الخروج منهما.
والمنطق نفسه يُشير أيضاً إلى إستحالة أو بالأحرى صعوبة إقدام الحريري على تجاهل راعيته (سابقاً) السعوديّة وعلى انتخاب عون من أجل العودة إلى رئاسة حكومة لن تُعيد له أَلَقهُ كوارثٍ لوالده الشهيد وشعبيّته، وتُكرّس عجزه عن تحسين ميزان القوى المسلم في لبنان "الطابش" لمصلحة الشيعة. والسعوديّة هذه نُقِلَ قبل أشهر قليلة عن وليّ وليّ عهدها الأمير محمد بن سلمان عندما استمزج في تسهيل رئاسة عون جواباً هو "منشوف". علماً أن موقفها منه كان بالغ السلبيّة أيّام وزير الخارجيّة الراحل سعود الفيصل. لكنّها تخوض حرباً مع داعمة عون وراعية "حزب الله" إيران الإسلاميّة، والمعارك بينهما بالغة الشراسة، وميزان القوى مُخْتَل. فالحملة السعوديّة على حلفاء الأخيرة في اليمن غير ناجحة حتى الآن. وحربا سوريا والعراق التي هي شريكة فيهما لم تُحقّقا نصراً مهمّا بعد لأسباب عدّة منها تردّد أميركا أوباما. في حين أن إيران الطرف المقابل في الحرب تقاتل بشراسة ومع حليف دولي مهم هي روسيا و"حزب" لبناني تحوّل قوّة إقليميّة مهمّة جدّاً وميليشيات من شيعة العالم كلّهم. وفي وضع كهذا هل يتوقّع عاقل تنازلاً سعوديّاً في لبنان رغم ضعف مؤيّديها فيه وعدم امتلاكهم نيّة القتال عنها والقدرة عليه؟
طبعاً لا يرمي هذا الكلام إلى الخروج باستنتاج يُفيد أن إيران ستربح والسعوديّة ستخسر في النهاية. فالأولى لن تربح وقد تُحقّق ربحاً معيّناً. والثانية لن تخسر، وقد تُحدِّد خسارتها بمساعدة أميركا. علماً أن الإثنتين ستخسران حتماً إذا تمسّكت إيران بمشروعها الإقليمي الشامل الذي لا يمكن أن يقبله العالم السُنّي الكبير ومعه المجتمع الدولي الفاعل. وإذا استمر عجز المملكة عن وضع استراتيجيا شاملة وسياسة تطبيقيّة لها تتناول "الإرهاب الإسلامي" ونزع التطرّف الذي ألصقه مسلمون بالإسلام، والأوضاع الداخليّة فيها ودورها في المنطقة وتوفير إمكانات ممارسته. وفي هذه الحال فإن الخسارة ستشمل أيضاً الحلفاء الإقليميّين لإيران وربّما روسيا أيضاً إذا تخلّت عن عقلانيّتها وتحوّلت سوريا لها أفغانستان ثانية. أما أميركا فإنّها ستحمي مصالحها الحيويّة فيها وتتركها تشتعل حتى تصبح رماداً.
وبالعودة إلى الحريري، يمكن القول في النهاية أن عليه حل مشكلاته مع السعوديّة وخصوصاً بعدما لم تُقدّم له جهات إقليميّة مُماثلة استعدادات للمساعدة. وذلك يعني عدم التجاوب مع ترشيح "حزب الله" عون للرئاسة. إلّا إذا قرّر الانتحار شعبيّاً وسياسيّاً. علماً أن خُبثاء يعتبرون أن لهجة قاسم وزملائه ترمي إلى منعه من التجاوب لأن لا مصلحة الآن ولكثيرين في إنهاء الشغور الرئاسي في لبنان. وعلماً أيضاً أن عدداً من مُحبّي الشهيد رفيق الحريري المستائين من المصير السلبي لإرثه يتساءلون عن جدوى "الاعتزال الموقّت" وغير النهائي لوارثه سعد ريثما يحل مشكلاته.