في ظل الاشتباك السياسي بين الواقع الداخلي والواقع الإقليمي لا يلوح اي بصيص امل بإمكانية تحقيق معجزة وصول زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا واعتلائه كرسي الرئاسة وتحقيق حلم يتجدد منذ ما يقارب الثلاثة عقود. 
ومشكلة العماد ميشال عون أنه لا يستطيع أن يعترف بأن أحدا من الأطراف السياسية والحزبية القوية على الساحة الداخلية وبمن فيهم حليفه القوي حزب الله يريد له أن يصل إلى قصر بعبدا. 
ومع ذلك فإنه يحاول تكرار التجارب السابقة، فمن تجربة 1989 التي فرضت عليه الهروب إلى فرنسا بعد لجوئه إلى سفارتها في بيروت إثر أقدام القوات السورية على تحرير القصر الرئاسي من عون بعد ان احتله بقوة المؤسسة العسكرية التي كان يرأسها كقائد للجيش. 
وكذلك تجربة 2008 التي انتهت باتفاقية الدوحة التي جاءت بالرئيس ميشال سليمان إلى القصر الجمهوري. 
واليوم فإن العماد عون يستمر بالمحاولة فلجأ إلى التهديد بالتصعيد والنزول إلى الشارع، لكنه يدرك كما غيره أن هناك حدودا للتصعيد. وهناك مساحة للتعطيل مسموح بها ولا يمكن لأحد أن يتجاوزها، إذ أن البلد مشمول بمظلة دولية تمنع تعريضه لأية هزات أمنية أو أي انهيارات مالية واقتصادية، ذلك أنه يمنع على اي طرف تحت أية ظروف أن يعرض الأمن للاهتزاز، وكذلك فإنه ممنوع إسقاط الحكومة لأنها تشكل المؤسسة التنفيذية الوحيدة المتبقية في غياب رئيس للجمهورية رغم الشلل الذي يسيطر على أعمالها، حتى ولو لم يبقى منها إلا الشكل الصوري، وأيضا فإنه من الممنوعات تعطيل جلسات التشريع في المجلس النيابي كتلك المرتبطة بالاستقرار المالي كالجلسات التي جرى فرضها لتمرير التشريعات المتعلقة بغسل الأموال والشفافية والتزوير والتهرب الضرائبي. 
فالاستقرار الأمني والمالي في لبنان هو حاجة دولية لتمكينه من الاضطلاع بدوره المطلوب حتى ترتسم ملامح التسويات في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإن هذا الاستقرار بات ضروريا ليبقى البلد جاذبا للنزوح السوري والتخفيف من هجرة السوريين إلى الدول الأوروبية. 
والعماد ميشال عون عندما يدعو إلى برنامجه التصعيدي الذي يبدأ بتحريك الشارع في الثامن والعشرين من شهر أيلول الجاري وفي الثالث عشر من شهر تشرين أول القادم فهو يدرك مسبقا أن هناك حدودا للتصعيد يحظر عليه تجاوزه، لكنه مصر على دعوته للتصعيد لإيصال رسالة إلى كافة الأطراف الداخلية والخارجية ليوحي من خلالها / أنا موجود ولا زلت أمتلك الأوراق التي أستطيع استخدامها /. 
وفي الجانب المقابل فإن معظم القوى السياسية، الحلفاء منهم والخصوم ترى مصلحتها في منع عون من تنفيذ برنامجه التصعيدي. وربما تنسق هذه القوى في ما بينها تحت الطاولة لتنفيس حالة احتقان عون كلما قارب درجة الإنفجار. وذلك بالايحاء أن هناك حلحلة تطرأ على الملف الرئاسي. 
مصادر سياسية ترى أن تسريب معلومات فيها شيء من التفاؤل بإمكانية انتخاب عون رئيسا للجمهورية يقف ورائها جهات من حلفاء عون ومن خصومه، وتحديدا فإن حزب الله يجد أن هناك مصلحة في إطلاق التطمينات لعون وفي تهدئة غضبه. والحد من مطالبته الملحة للحزب كي يتخذ قرارا تنفيذيا بانتخابه. 
إلا أن هذا الاسلوب لم يعد له فاعلية في الرابية التي باتت على اقتناع راسخ بأن حزب الله ليس متحمسا لانتخاب عون رئيسا للجمهورية. ولو كان الحزب يعتبر ذلك هدفا حتميا واولوية سياسية له لكان حقق هذا الهدف قبل فترة طويلة حتى أنه لم يكن هناك مجال للشغور الرئاسي. 
والغريب أن العماد ميشال عون إكتشف ولو مؤخرا انه لن يصل إلى رئاسة الجمهورية لكنه لا يستطيع الاعتراف بذلك. لذا فإنه يكرر المحاولة تلو الأخرى ولا يمل من التكرار ليقول فقط أنا هنا..