بين الميثاقية والحملة الشعواء التي يقودها التيار الوطني الحر لفرض رؤيته الخاصة للميثاقية على باقي الأطراف اللبنانية مساحة واسعة من التضليل والاتهامات والافتراءات تنم عن إحدى حالتين:
- إما جهل مطبق للمعنى الوطني للميثاق. 
- واما حملة ملتبسة تحمل خفايا خبيثة لتحقيق مصالح خاصة وشخصية. 
وفي كلا الحالتين النتيجة هي تشويه للميثاق وللأسس التي قام عليها وللأهداف النبيلة التي تحقق العيش المشترك بين كافة مكونات المجتمع اللبناني وتجنيب البلد الوقوع في براثن الصراعات المذهبية والنزاعات الطائفية التي تؤدي في غالب الأحيان إلى إشعال الحروب الأهلية. 
فالغرض من الميثاق الوطني الذي أتفق عليه اللبنانيون في العام 1943 وإليه تنسب الميثاقية، هو تخلي المسيحيين عن الانتداب الفرنسي يقابله تخلي المسلمون عن المطالبة بالانخراط في الوحدة العربية. 
ومع أن هذا الميثاق غير مكتوب لكنه تكرس في مقدمة الدستور في الفقرة (أ ) التي تنص على أن لبنان وطن سيد حر مستقل. وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضا وشعبا ومؤسسات في حدوده المنصوص عنها في هذا الدستور والمعترف بها دوليا. 
أما الفقرة (ب ) فقد حددت علاقة لبنان بمحيطه العربي حيث نصت على أن لبنان عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما أنه عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتجسد الدولة هذه المبادىء في جميع الحقوق والمجالات دون إستثناء. 
فالميثاقية هي انتهاج سياسة وتبني مشاريع تتوافق مع استقلال لبنان وسيادته وحريته، وتحترم حدوده وابتعاده عن المحاور العربية والإقليمية والدولية، وعدم الانخراط في أي صراعات او نزاعات خارجية مع الحفاظ على علاقات الاحترام المتبادل مع كافة الدول العربية. 
وفي ظل هذه المعمعة التي يكثر الحديث فيها عن الميثاقية، من الواضح أن هناك فهم خاطيء لها حيث يتم تناولها بالكثير من الاجتهادات التي تتنافى مع المفهوم الحقيقي لها والتي تعرض البلاد إلى مخاطر لا تحمد عقباها. 
أن تشويه مفهوم الميثاقية وتحويره من إتفاق المسيحيين بكل مذاهبهم والمسلمين بكل مذاهبهم على العيش في وطن واحد واضح الحدود والهوية إلى طبيعة تمثيل المذاهب المسيحية والإسلامية في الحكم وحصره بمكونات بعينها. هو تهديد فعلي للكيان اللبناني ولصيغة الحكم التي ينص عليها الدستور اللبناني ولصيغة العيش المشترك بين اللبنانيين. 
والذين يدعون حصرية المطالبة بحقوق المسيحيين هم أكثر الناس إساءة لهم، إذ أن الخطر الذي يهدد الوجود المسيحي ومعظم الأقليات وتهجيرها هو التطرف والرهانات الخاطئة وخصوصا الرهان على الخارج. 
واليوم يشكل التيار الوطني الحر الذي يتزعمه العماد ميشال عون ويترأسه صهره الوزير جبران باسيل نسخة متطرفة من ذهنية سياسية لا تعي ما قد يترتب من اثمان باهظة لرهاناتها الخاطئة، والتاريخ اللبناني يشهد محطات مؤلمة طغت فيها كل مرة الذهنيات المتطرفة في المجتمع المسيحي فسيطر الجموح الطائفي وتمكن من استثارة الغرائز وتأسيس العدوات وتجييش الجهلة والمتعصبين، وزج بالمسيحيين في حروب عبثية لا طائل منها. 
ومن المفارقات أن يكون التيار الوطني الحر مشاركا في السلطة ومعارضا لها ويهدد بالنزول إلى الشارع لاسقاطها رغم التشدق بالديمقراطية ومؤسساتها. 
فالميثاق - وكما عبر عنه الوزير الراحل ادوار حنين في إحدى محاضراته - وفي أحد معانيه هو الحياد عن الشرق والغرب، حياد كامل صادق ومخلص، حياد يستتبع حياد الأرض اللبنانية لا مقر ولا ممر ويستتبع حياد الضمير اللبناني حياد يكون بالنسبة إلينا حكومة وشعبا كنجم القطب به نهتدي وعلى ضوئه نسير. 
هذا هو الميثاق الذي فهمه الكبار، والميثاق ليس سلعة للمتاجرة وتحقيق المكاسب الآنية كما يفهمه المتسلقون على أكتاف الشعب المقهور واغرار النادي السياسي...