في الوقت الذي تشهد فيه العاصمة اللبنانية بيروت استنفارا دوليا على المستويين الإعلامي والدبلوماسي لجهة تأكيد المجتمع الدولي دعمه للحكومة اللبنانية في جانب. وحرصه على تبديد المخاوف اللبنانية من توطين اللاجئين السوريين في جانب آخر. فإن التيار الوطني الحر يستنفر ما تبقى له من جمهور ويستجمع خلاياه المشتتة مهددا بالنزول إلى الشارع تحت عنوان المطالبة بالميثاقية والدفاع عن حقوق المسيحيين ما يزيد غرق البلد في مستنقع الأزمات المتراكمة والمشاكل التي تتفاقم يوما بعد يوم بسبب إقامة المتاريس بين القوى السياسية والحزبية اللبنانية والتراشق الإعلامي والاتهامات المتبادلة بالتعطيل بين افرقاء الصراع على الساحة الداخلية. وبدا واضحا أن توحيد الخطاب الدولي حيال الواقع اللبناني ما يؤكد على استمرار المظلة الدولية للاستقرار الداخلي ووضع ضوابط أمام احتمالات تفلت الاشتباك الداخلي بما يهدد هذا الاستقرار. حيث بدا البيان الصادر عن سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ عقب زيارتهم لرئيس الحكومة تمام سلام عشية توجهه إلى نيويورك واضحا لجهة اهتمام الأسرة الدولية بالأزمة السياسية اللبنانية. وقد أشاد البيان بجهود الرئيس سلام معربا عن الدعم المتواصل لعمله ومؤكدا على الدعم الدولي القوي لاستمرار الاستقرار في لبنان. ودعا البيان جميع الاطراف اللبنانية إلى العمل بمسؤولية خدمة للمصلحة الوطنية لتمكين المؤسسات الحكومية من العمل بفعالية كما عبر عن القلق العميق للدول المعنية بالشأن اللبناني من الشغور الرئاسي داعيا إلى عقد جلسة لمجلس النواب بشكل عاجل والشروع في انتخاب رئيس للجمهورية على امل إجراء الانتخابات النيابية في السنة المقبلة ضمن الجدول الزمني المحدد.

وفي جانب متصل فقد شددت المراجع الدولية على اهمية انخراط لبنان في القمة الدولية التي دعت الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول الأخرى إلى عقدها في نيويورك في العشرين من شهر أيلول الجاري والتي ستتناول موضوعي الهجرة واللاجئين السوريين. وكذلك في مؤتمر قمة الأمم المتحدة المقرر عقده للغاية ذاتها في نيويورك في التاسع عشر من الشهر نفسه. وأكدت مصادر دبلوماسية أن لبنان سينال في المؤتمرين دعما ماديا ومعنويا مهما. وفي جانب آخر فإن التيار الوطني الحر مستمر في تهوره بتعريض البلد للانزلاق نحو مخاطر تعميق الانقسامات الطائفية والسياسية من خلال القراءة الخاطئة للواقع الداخلي المرتبط بالواقع الإقليمي. إذ أن اندفاع تيار العماد ميشال عون نحو ربط دور المسيحيين وموقعهم في السلطة بتوليه هو دون غيره الرئاسة الشاغرة منذ ما يقارب السنة والنصف. فيما واقع الأمر أن سبب الشغور الرئاسي وتصاعد الأزمة الداخلية لا علاقة له باستهداف المسيحيين ومصالحهم. بل بالأزمة السورية والمعادلة التي سترسو عليها. مع التأكيد على أن الشغور الرئاسي يضر بالموقع المسيحي الأول في التركيبة الهشة أصلا. وقد سبق للعماد عون أن أصر على تولي الرئاسة عام 1989 بالتحالف مع اخصام سوريا في حينها فجاءت النتيجة لمصلحة حلفاء دمشق. وتكرر الأمر في العام 2008 حين راهن عون على التفوق العسكري لحليفه حزب الله الذي كان قد اجتاح بيروت في السابع من أيار من العام نفسه. لكن إيران ومعها النظام السوري اضطرا للقبول بتسوية مع الدول العربية والغرب حول رئاسة العماد ميشال سليمان في حينها. واليوم فإن طموح ميشال عون الجامح للتسلق الى قصر بعبدا يحجب عنه الرؤية الحقيقية لواقع الأزمة الداخلية المرتبطة بالواقع الإقليمي. وقد يلزمه فترة زمنية ليس قصيرة حتى يدرك أن أزمة الرئاسة اللبنانية أكبر منه وأكبر من كافة الأطراف اللبنانية بمن فيهم حزب الله الذي يتسلح بمنظومة عسكرية يهدد بها الجميع. وهي بند رئيسي في المشروع الإيراني الذي يفيض حروبا وأزمات ومشاكل في المنطقة العربية.