الزعماء السياسيّون في لبنان لم يقطعوا الأمل في حصول تقارب بين السعوديّة وإيران. دافعهم إلى ذلك اقتناعهم بأن كلاّ من الإثنتين استقطب نصف اللبنانيّين وتسبّب تالياً بالكثير من أزماتهم وآخرها العجز عن إنهاء الشغور في رئاسة الجمهوريّة والشلل العام. ويبدو أن جهات عربيّة فكّرت قبل مدّة أن ذلك ممكن، إذ حصلت على معلومات أن طهران ربّما بدأت التفكير في تقارب جدّي مع الرياض التي ربّما لن تُمانع فيه. إذ أن الدولتين تنزفان وتٌستنزفان في الحروب التي تخوضان وكالة وأصالة في المنطقة. لكنّها سمعت في حينه من مصادر عليمة كلاماً يُفيد أنّ السعوديّة لا تثق بإيران، وهي تعرف أن ميزان القوى في الخليج في مصلحتها، وأن مصلحتها تقضي بانتظار تفاهم واشنطن حليفتها التاريخيّة وطهران قبل البحث عن تفاهم تستغلّه إيران في الصراع الذي تخوض في المنطقة وحتى في العالم.
كما سمعت المصادر نفسها كلاماً يُفيد أن القيادة الإيرانيّة تفضّل انتظار الرئيس الأميركي المقبل الذي سيتسلّم سلطاته الدستوريّة في كانون الثاني 2017، وذلك اقتناعاً منها بأن الرئيس باراك أوباما لم يعد قادراً في أواخر ولايته على القيام بمبادرات أو ربّما لم يعد راغباً في ذلك. انطلاقاً من هذا الوضع تتحضّر إيران للتفاوض مع الرئيس الجديد أو لاستمرار الصراع معه. فإذا كانت هيلاري كلينتون الرئيسة، وإذا أعدّ فريقها الديموقراطي مع "الاستابليشمنت" أي المؤسّسة مشروع تفاوض جدّي مع إيران، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تقبل إيران التفاوض وعلى ماذا؟ ورغم عدم توافر جواب واضح عنه فان المسؤولين فيها يعرفون أن فوز دونالد ترامب قد يقود الشرق الأوسط إلى كوارث. فهل هي مستعدّة لها؟ وهل هي مستعدّة، إضافة إلى الاستنزاف الذي تتعرّض له في العراق وسوريا واليمن، إلى استنزاف قاسٍ في الداخل؟
هل آمال الزعماء اللبنانيّين وبعض العرب في تقارب أو حوار بين السعوديّة وإيران في محلّها؟
القريبون من طهران في بيروت يستبعدون ذلك. كما أن التصعيد السياسي والإعلامي الإيراني ضد المملكة لمناسبة موسم الحجّ يؤكّده. كما يؤكّده التصعيد نفسه لحلفائهم في لبنان وسوريا والعراق واليمن. وكوّن ذلك انطباعاً عند هؤلاء بأن "لا حيط عمار" بين الدولتين المسلمتين المتحاربتين مباشرة وبالواسطة. وفي هذا المجال تعتقد طهران أن الوضع السعودي مأزوم في المنطقة وخارجها وكذلك الدور. فالسعوديّة لم تحقّق الانتصار في اليمن رغم حربها عليه وفيه منذ قرابة 17 أو 18 شهراً، ولن تحقّقه. وهي لم تعد موجودة عمليّاً في سوريا. كما أن العلماء المسلمين صدموها في اجتماعهم أخيراً في عاصمة الشيشان المسلمة الذي تمثّل فيه الأزهر الشريف على أعلى المستويات وكذلك مصر وسوريا. إذ انتقدوا السلفيّة واعتُبر ذلك انتقاداً للوهابيّة التي تطبّقها هي.
ويضيف القريبون أنفسهم بالقول أن إيران "منرفزة" جدّاً من السعوديّة، وأن الجرح بينهما عميق جدّاً، وأن لا مجال في المستقبل المنظور لأي تحسّن في علاقتهما. ويتذكّرون هنا كلاماً سمعه بعضهم من مسؤول سعودي رفيع قبل سنوات هو الآتي: "استفيدوا من وجود (الراحل) الملك عبدالله بن عبد العزيز على رأس السلطة في السعوديّة لتحسين العلاقة مع إيران. إذ سيصبح ذلك مستحيلاً بعد انتقاله إلى جوار ربّه". وقد ثبُتت صحّة ذلك.
في أي حال تفيد معلومات هؤلاء أن القيادة في إيران منشغلة بمتابعة الانتخابات الرئاسيّة في أميركا وبانتخاباتها الرئاسيّة في العام المقبل. فانطباعها أن فوز كلينتون مرجّح إلّا إذا عطّل تدهور صحّتها فُرصها، وأنها ستكون أقسى من أوباما معها، ولذلك تتريّث. أما ترامب فليس مع إيران أو روسيا. لكن الأخيرة تفضّله لأسباب عدّة.
أمّا داخليّاً فإن انطباع القيادة نفسها يفيد أن الرئيس حسن روحاني قد يكون رئيس ولاية واحدة خلافاً لغالبيّة رؤساء إيران. فالولي الفقيه السيد علي خامنئي غاضب عليه، وكذلك "الحرس الثوري" والعلماء وبعض الإصلاحيّين. ذلك أنه ربط تحسّن الوضع الاقتصادي بالاتّفاق النووي. وُقّع الأخير ولم يتحسّن هذا الوضع، فعادت حظوظ نجاد الرئيس السابق إلى البروز. علماً أن مصادر مُحايدة تعتبر أن مسؤوليّة إيران عن عدم استفادتها اقتصاديّاً من "النووي" لا تقل عن مسؤوليّة أميركا إن لم تكن أكبر لأنّها تمسّكت بالاستفادة السياسيّة على مستوى الإقليم ولم تبد مستعدّة لأي تنازل تقتضيه التسويات.