لا يبدو أن المعركة التي خاضها التيار الوطني الحر دفاعا عن الميثاقية حققت سوى المزيد من التأزيم والعرقلة في عمل المؤسسات واللعب في الوقت الضائع.

فالجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء التي سعى التيار الوطني إلى تعطيلها عقدت في موعدها المحدد. وانتهت من حيث بدأت مع ثبات كل فريق في متراسه والإصرار على موقفه. إذ أن الرئيس تمام سلام لم يتنازل عن صلاحياته ولم يتراجع عن قناعته بميثاقية حكومته ودستورية جلساتها حتى ولو غاب أكثر من مكون عن حضور بعض جلساتها ورغم استمرار التيار الوطني الحر بتصعيده وغياب وزراء حزب الله عن الجلسة الأخيرة الذي تضامن مع حليفه العماد ميشال عون في خطوة أقدم عليها الحزب جنب نفسه خسارة الحكومة او حليفه المسيحي. وهذا يوحي إلى شعور بالارتياح والرضى لكل فريق من الافرقاء الذي ثبت على موقفه.

فانعقاد جلسة مجلس الوزراء بمن حضر أعطت حملة التصعيد للتيار الوطني الحر والتي يقودها جبران باسيل عنوانا شعبويا في مواجهة التهميش المسيحي. وبدا واضحا أن التيار يخوض صراع ضد بعض القوى السياسية الهدف منه تمهيد الطريق أمام العماد ميشال عون لفرضه كمرشح وحيد لرئاسة الجمهورية والترويج على أنه القطب الوحيد الذي يطالب باستعادة حقوق المسيحيين. وبالتالي فإن انعقاد الجلسة في موعدها المحدد مهدت الطريق أمام سيناريو التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي. باعتبار أن الحكومة التي ستغيب عن الاجتماع حتى نهاية شهر أيلول الجاري بسبب غياب الرئيس تمام سلام عن البلد بداعي السفر للمشاركة في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك فإنها ستضع وزير الدفاع سمير مقبل أمام خيار وحيد لا ثاني له ويقضي بتأجيل تسريح العماد قهوجي في قرار يصدره عشية انتهاء ولايته الممددة أواخر شهر أيلول الحالي.

وفي سياق متصل فإنه خلال الفترة التي تبدأ بالعطلة القسرية لمناسبة عيد الأضحى وتنتهي مع عودة الرئيس سلام من نيويورك قد تنشط الاتصالات لتليين المواقف المتشنجة ولملمة تداعيات جلسة مجلس الوزراء الأخيرة تمهيدا لتهدئة الأجواء.

إشارة جديرة بالاهتمام وهي أنه رغم السلبيات التي أدت إليها الخضة الأخيرة التي أثارها التيار الوطني الحر وأدت إلى هذا الاضطراب السياسي وما تركته من تداعيات سلبية على قطاعات عديدة لكنها أعادت التذكير بجملة أمور منها ثبات سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي وتثبيت الستاتيكو الراهن بما لا يسمح بانهياره في هذه المرحلة على الأقل. وبدا ذلك من خلال بلورة مواقف كانت معروفة ولا سيما موقف حزب الله الذي كان رسالة إلى كافة الأطراف اللبنانية وخصوصا إلى حليفه التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل ومؤسسه ميشال عون من أن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور على نحو يؤدي إلى التمديد مجددا لقائد الجيش العماد جان قهوجي سنة إضافية حتى أيلول 2017 من حيث المبدأ.

وبدا جليا أن فتح المعركة السياسية التي أثارها جبران باسيل تحت يافطة الشراكة والميثاقية بهدف تحريك موضوع الرئاسة وإعطائها دفعا مختلفا فإنه لم يختار لها الوقت المناسب وسترتد على التيار الوطني الحر بالكثير من الخيبات سيما وأنه وجد نفسه بمواجهة موقف متقارب لحزب الله وتيار المستقبل يهدف إلى استيعاب الخضة التي أثارها باسيل ومنع تفاقمها والحفاظ على الستاتيكو الحالي بحيث وضعهما من حيث يدري او لا يدري في موقع واحد قد يتم البناء عليه للمرحلة المقبلة. على أن الأهم من كل ذلك أن أيا من القيادات المسيحية بما فيها بكركي لم تسلس القيادة للتيار في هذه المسألة ولم توافقه الرأي.  وقد انبرى العديد من هذه القيادات للرد على باسيل بأن المحافظة على الميثاقية والمطالبة بالحقوق لا يتم بهذا الاسلوب وفي هذه اللحظة الحرجة التي يمر بها البلد والمنطقة المحيطة.