استهل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي جولته على قرى جبة المنيطرة، يرافقه راعي أبرشية جبيل للموارنة المطران ميشال عون، من كنيسة مار بطرس تحت القلعة، حيث كان في استقباله المطران منجد الهاشم، رئيس بلديتي العاقورة منصور وهبي والمجدل سمير عساكر.

بعد الزياح ألقى كاهن الرعية كلمة ترحيبية بالراعي "الذي يستقبل اليوم بالفرح والايمان والاتكال على القديسة مريم".

الراعي
وحيا الراعي في مستهل كلمته "أبرشية جبيل للموارنة وكاهن الرعية وكل الآباء الموجودين"، لافتا إلى أنه يكن "كل المحبة لهذه الرعية، التي أحببناها ووضعنا حجر الأساس لترميمها، ونحن في أرض لنا فيها ذكريات كثيرة، ومع أن الظروف كانت تحول دون القيام بالزيارة، الا أنها تمت ابتداء من اليوم ومن كنيسة الرسولين بطرس وبولس، في ظل الظروف التي نمر بها".

وانطلاقا من القول "لا تكرهوا شيئا لعله خير"، قال: "رأينا مشكلة المشاعات والمذكرة التي صدرت بخصوصها، والتي تبلغ خواتيمها السعيدة، ونحن غدا في القداس الرسمي في العاقورة، سنتحدث عن هذا الموضوع بإسهاب. ولكن بذات الوقت الزيارة لهذه المنطقة المارونية الصرف، التي منها انطلقت الرسالة المسيحية المارونية، وفي هذا الجبل الذي كان وثنيا بأواخر الجيل الرابع مع ابراهيم القورشي وبجبة بشري مع سمعان، فحملوا الرسالة المارونية".

أضاف "نحن أبناء هذا الجيل، وهذا الجبل والمجتمع اللبناني، الذي سار فيه الموارنة، ومن هنا في يانوح حيث انطلقوا وفي مطرانية العاقورة، هذه البلدة التي قدمت سبعة بطاركة بالاضافة الى المطارنة، فحملوا الوديعة المارونية، ووديعة الايمان والاستقلالية والحرية، في مسيرة صعبة سلكوا فيها، وواجهوا صعوبات جمة من الاضطهاد والمشاكل في كل العهود التي توالت، من البيزنطيين والأمويين والعباسيين والمماليك والعثمانيين والصليببين، فصمدوا وقادهم البطاركة والتفاف الشعب حول كل بطريرك وصولا الى البطريرك الياس الحويك، الذي ساهم في الأول من أيلول 1920 في انشاء دولة لبنان الكبير، دولة مميزة في كل منطقة الشرق".

وتمنى أن "تكون هذه الزيارة الرعوية، التي نقوم بها اليوم، وتمنيناها منذ خمس سنوات، جاءت في وقتها على المستوى اللبناني، وحيث الوطن في خطر بسبب الواقع الانشطاري والنزاعات، التي أدت منذ سنتين وأكثر من ثلاثة أشهر الى عدم انتخاب رئيس للجمهورية، فسقط المجلس النيابي والحكومة في التعطيل، والمؤسسات والتعيينات والاجراءات دخلت في مرحلة التعطيل أيضا، بما يهدد بأن يقع البلد على رؤوس الجميع"، لافتا "ومن هذا المكان، يمكن أن نجدد من خلاله ايماننا بلبنان، ونرفع النداء الى المسؤوليين السياسيين، كي يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية، وحتى يتنادى أصحاب الارادات الطيبة لنخلص هذا الوطن. والعناية الالهية أوصلتنا الى هذا المكان لنوجه من خلاله النداء، لأنه من هنا تكونت المسيرة التي حافظتم عليها، وانتم متشبثون بأرضكم".

وقال: "منذ بدأت الزيارة من اللقلوق رأينا هذا التقدم في العمران، الذي نشكر ربنا عليه، الى جانب الوطنية والاخلاص بلبنان، الذي اتسم بها أبناء هذه المنطقة، هناك ايماننا المسيحي والماروني، الذي يعني طريقة عيش الانجيل باخلاص وبروح التضامن والاخوة".

أضاف "نشكر ربنا على أن هذه الزيارة جاءت في وقتها، لنرفع الصوت لحماية أرضكم ومشاعاتكم، وكما يقول مار بولس "كل شيء يؤول الى الذين يتقون الله"، وصلواتنا لكل القديسين من مريم العذراء ومار بطرس وبولس ومار منصور، حتى ربنا يحفظ الايمان في قلوبنا جميعا، ايماننا بالله وبوطننا وببعضنا البعض لنواصل طريقنا كما آباؤنا وأجدادنا لنتخطى كل الصعوبات، فنحن في العاقورة حيث الثلوج والعواصف والشتاء والبرد تقوي عزيمتكم وتشجعكم على تخطي صعوبات الحياة بالايمان ومحبة الله".

سيدة يانوح
من ثم انطلق موكب الراعي الى مقر البطريركي في سيدة يانوح، على وقع الزغاريد وقرع الأجراس والاحتفالات الفولكلورية، فأقيم احتفال حضره النائب السابق فارس سعيد، كاهن رعية سيدة النجاة- يانوح الخوري ميشال صقر، كاهن الرعية في المغيري الخوري اسطفان الخوري، رئيس "كاريتاس" لبنان بول كرم، المونسينيور القاضي عبدو يعقوب، النائب القضائي في أبرشية جبيل للموارنة المونسينيور شربل انطون، ورؤساء بلديات ومخاتير المنطقة.

وشكر الراعي رؤساء البلديات والمخاتير على "دورهم في انماء هذه المنطقة، التي يشعر فيها الفرد برهبة القداسة"، قائلا: "اطمأنيت الى أنها بين أيدي أمينة، ومن هنا في يانوح انطلقت مسيرة البطاركة".

وتوجه الى الحاضرين بالقول: "عشت معكم 23 سنة كانت من أجمل أيام حياتي، وكنتم شعبا محبا وكريما وسخيا وتعلمت كثيرا منه، وعندما انتخبت بطريركا من هذه الأبرشية، علمت أن هناك من يساندني ويقف الى جانبي"، موجها التحية الى "المطران ميشال عون، مباركا رعيته وأبرشيته".

وأشار إلى أن "كرسي البطريركية المارونية هي قوية بشعبها، محبة أبنائها، الذين لولاهم كان الجلوس على كرسي بكركي متعبا، وهنا أتذكر ما حدث مع البطريرك المعوشي عندما دخل اليه أحد الزعماء في مكتبه، وجلس على كرسيه دون قصد، فقال له البطريرك: "هذه الكرسي تتعبك".

ودعا الى "التجذر بالأرض والتشبث بها، لكي نحافظ على ارث أجدادنا، وهذه الارض عزيزة وثمينة بالنسبة الينا، والمذكرة التي صدرت عن وزير المالية في اليوميين الماضيين، أدت الى هب عليها أبناء المنطقة لأنها حاملة كل تراثهم وتاريخهم وسقوها بدماء شهدائهم، وكل أرض لبنان هي يانوح، وكل أرض لبنان. نحن مدعوون الى أن نحافظ عليها لأنها تختصر كل تاريخنا، ومنها استمدينا هويتنا التي تميزنا عن كل بلدان المنطقة الشرق اوسطية"، مذكرا ب"أهمية الاتكال على العناية الالهية، طالما أن كل انسان هو على صورة الله ومثاله، كي يبني تاريخا بشريا يقوم على الخير والحق والجمال، فنحافظ على أرضنا ونكتب تاريخنا، ولكن في نفس الوقت نبقي أعيننا الى فوق لأن الله يريدنا أن نعيش معا في هذه البقعة الجميلة في العالم التي اسمها لبنان"، مشيرا إلى أنه "لغاية اليوم نحن نتعلق بالحجر وننسى موضوع الفسيفساء، الذي تتميز به تركيبتنا اللبنانية، فيضيع وطننا وهو التهديد الأكبر، وهذا ما يحصل مع الشغور الرئاسي منذ أكثر من سنتين، لأن كل مسؤول يتلهى بحجره الصغير وينسى الفسيفساء".

وختم داعيا الى "النظر لهذه الجبال من حولنا، التي تعلمنا الشموخ والابتعاد عن المستنقعات الصغيرة، في ظل ما يتهددنا من سقوط وانهيار للقيم الاخلاقية والاجتماعية والروحية والسياسية والعائلية، وكم نحن بحاجة للتطلع الى هذه الجبال حتى يبقى عندنا هذا الشموخ في القيم".

وفي الختام تم تقديم "كرسي البطريرك" الى الراعي.

مار عبدا - مزرعة السياد
بعدها، انتقل الراعي الى كنيسة مار عبدا- مزرعة السياد، حيث كان في استقباله النائبان سيمون أبي رميا وعباس الهاشم والنائب السابق مهى الخوري، مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، قائمقام جبيل نجوى سويدان وكاهن الرعية الخوري جوزيف الخوري.

وقال الراعي: "إننا نعيش اليوم فرحة كبيرة بتواجدنا في جبة المنيطرة، هذه المنطقة التي تتميز بجمالها وعنفوانها رغم كل الصعاب، التي يمر بها الوطن"، معتبرا أننا "نعيش الاختبار الذي تحدث عنه الانجيل عندما كان المسيح يسير والجموع وراءه، وعند المساء رفض أن يذهبوا الى منازلهم دون الطعام، وهكذا شعبنا الذي يقدم كل ما عنده وهذه ميزة مهمة".

أضاف "هذه المنطقة قدمت المخلصين، وعلمتنا الصمود ومن هنا في هذه الجبال، والتي أدى جزء كبير منها الى قيامة لبنان بنظامه السياسي الديموقراطي الحالي وصيغته القائمة على العيش المشترك، لذا فلنحافظ على هذا اللبنان بحريته وتعايش أبنائه".
وتوجه باللوم الى "الكتل النيابية والسياسية، لأنها دائما تتقوقع على نفسها وتحاول أن تبحث في الامور الثانوية وفي تناتش الحصص، في حين أن قيمة لبنان بتعدديته في هذا الشرق، وكونه فسيفساء تعني الشراكة المسيحية- الاسلامية".

سيدة النجاة - عبود
من ثم، توجه الراعي الى كنيسة سيدة النجاة- عبود حيث أقيم غداء، على شرف حضوره في قاعتها الرعوية.
المصدر : وطنية