أولاً: مئة عام على اتفاقية سايكس بيكو..
يسود اعتقاد عام بعد مضي مئة عام على اتفاقية سايكس بيكو، أنّ هذه الاتفاقية ما هي إلاّ صفقة تمّت باجتماع مقتضب. حيث وُضعت الخرائط، وجرى اقتسام المنطقة العربية بموجبها، في حين أنّ البحث التاريخي يظهر أنّ الاتفاقية العائدة للعام ١٩١٦ قسّمت الولايات العربية التي كانت تحت حكم السلطنة العثمانية إلى منطقتين : بريطانية وفرنسية على نحو تقريبي، تسيطر كلٍ منهما على السواحل، وتحتفظ بمناطق نفوذ في الداخل، باستثناء القدس التي جرى التوافق على اعتبارها منطقة مُدوّلة .وفي مسودة الاتفاق هذا ظلّت فرنسا تطالب بفلسطين باعتبارها تابعة لسوريا الجنوبية، في حين كان البريطانيون مُصمّمون على تنفيذ وعد بلفور بإنشاء وطن قومي يهودي على أرضها، كما أنّ الموصل كانت تعتبر أصلا كجزء من سوريا، ويطالب الانكليز بضمها للعراق.
لقي هذا الاتفاق معارضة أميركية روسية حين طغى، بعد انتهاء الحرب شعار حقّ الشعوب في تقرير مصيرها، وهذا المبدأ دعا إليه وودرو ولسون الأميركي وفلاديمير لينين السوفيتي، لكنّ الدولتين المعنيّتين فرنسا وبريطانيا دأبتا على تقديم المبررات اللازمة لعملية الاستعمار القادمة تحت حجّة الانتداب، الانتداب على قاصرين، لن يقوا على حكم أنفسهم. فقدمت فرنسا مبرراتها بحماية الأقليات المسيحية والدرزية والشيعية والعلوية في سوريا، وكان لاكتشاف البترول في الخليج دافعاًقويا لدى بريطانيا للمطالبة بانتدابها على العراق، فضلا عن رغبتها الدائمة بتنفيذ وعد بلفور، وعندما تألفت حكومة عربية في دمشق بوجود الملك فيصل الهاشمي، توافق الطرفان مجدّدا على تعديل سايكس-بيكو، حيثُ أسقطت فرنسا مطالبتها بفلسطين وتنازلت عن الموصل، مقابل حصّة في شركة النفط الإنكليزية الإيرانية التي اكتشفت النفط في تلك المنطقة، وبالمقابل اعترفت بريطانيا بسيطرة فرنسا عل سوريا بأكملها، مع توصية بالتوصل إلى تسوية مع الملك فيصل، وهذا ما لم يحصل فيما بعد، وقد جرى طرده خارج سوريا بعد احتلال دمشق.
ثانياً: كيري-لافروف، طور ولادة اتفاق جديد..
طبعاً يؤمن هذا الثنائي بحق الشعوب بتقرير مصيرها كسلفيهما، لكن هذه الشعوب، وللأسف، وبعد مئة عام على سايكس بيكو ما زالت قاصرة، لذا يحضر الثنائي الأميركي الروسي بالمصالح المقنّعة ،فالروس يسعون لتثبيت مواطئ أقدامهم على ساحل البحر الابيض، والاحتفاظ بنفوذٍ كبير في سوريا، وتاليا لبنان إن أمكن ذلك. أمّا الأميركيون، ومع إصرار أوباما على عدم الانغماس مباشرة في الصراع الدموي في سوريا، إلاّ أنّ أميركا لا تتخلّى عن مصالحها المتعددة في المنطقة، وفي مقدمها حماية إسرائيل من مفاجآت غير منتظرة في خريطة سوريا المقبلة وطبيعة النظام الجديد، كما أنّها مهتمة جداً بمصالحها الحيوية مع العراق والخليج وتركيا، والعلاقة مع حلفائها الأكراد، دون أن ننسى الهمّ الدائم بالقضاء على داعش، وهذا لا يتحقق بين ليلة وضحاها، ولا باتفاق "وقف الأعمال العدوانية" أو إيصال المساعدات الإنسانية. وإذا كانت اتفاقية سايكس بيكو انتظرت أربع سنوات حتى حتى خرجت إلى العلن في أبريل عام ١٩٢٠ عندما منح مؤتمر السلام في سان ريمي فرنسا الانتداب على لبنان وسوريا، وبريطانيا على سائر أجزاء المشرق العربي، فكم من الوقت ستنتظر شعوب المنطقة حتى تأتي اتفاقية كيري لافروف العتيدة؟، وكم من الضحايا والدمار تتطلب هذه الاتفاقية الموعودة حتى تنجلي مندرجاتها وتُنشر خرائطُها، ولربما سنترحم يومها على سايكس بيكو، وندعو لشعوب المنطقة بالصبر والسلامة لمئة عام قادمة.