الوحدة التي قامت بين المسيحيين وبعد عودة العماد ميشال عون من منفاه لم تكن مكتوبة لها الديمومة. فاتفاقه في باريس مع موفدي الرئيس لحود ومع دمشق على العودة وموجباتها أوحى لمن عرفوا به أنه لن "يطوّل" مع مسيحيي 14 آذار. وأتته الفرصة ليبتعد عنهم عندما أصرّ فريقهم قبل الانتخابات النيابية في الـ2005 على تقليص تمثيله. فهو كان يعتبر نفسه الأقوى شعبياً. والفريق أنكر عليه ذلك رغم تأكده منه. واعترف بذلك الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط بتسميته "تسونامي". طبعاً لم يؤدِ ابتعاده إلى تعاون رسمي مع 8 آذار إذ توصّل الأخير الى تعاون مع 14 آذار ورغم ذلك حقّق عون نتائج جيدة. إلا أن الاتصالات والحوارات كانت جارية بين "الجنرال" و"حزب الله" وأثمرت تفاهماً على قضايا أساسية عدة، تُرجم اتفاقاً رسمياً بعد تظاهرات مسلمة سنّية في بيروت احتجاجاً على رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد نُشرت في الدانمارك. إذ استغلها إسلاميون متشدّدون وكادوا أن يحوّلوها فتنة مسيحية – اسلامية لولا تدارك القيادات الدينية والسياسية السنّية ذلك، ولولا ضبط المسيحيين وخصوصاً في شرق بيروت أعصابهم حرصاً على السلم الأهلي وعلى 14 آذار.
طبعاً كان للاتفاق إيجابية تمثّلت بانفتاح المسلمين الشيعة والمسيحيين بعضهم على بعض. لكن سلبيته تمثّلت في أمرين أولهما تبنّي "الجنرال" المسيحي مواقف "الحزب" التي كانت تتناقض مع مواقف 14 آذار بمسلميه ومسيحييه علماً أنها كانت تتناقض أيضاً مع مواقفه هو يوم كان سيّد قصر بعبدا ثم منفياً في فرنسا. وثانيهما استيقاظ المذهبية بين السنّة والشيعة وتحريض تيار "الجنرال" الحلفاء الجدد على "أخصامهم وأخصامه" في آن. وفي المقابل كان تصرّف مسيحيي 14 آذار مشابهاً ولكن مدروساً، إذ استمروا رافعين شعارات السيادة والاستقلال ورفض أي سلاح في البلاد خارج الشرعية. وبدأت الأحاديث عن حلف أقليات في لبنان بين المسيحيين والشيعة ولاحقاً مع نظام الأسد في سوريا وخصوصاً بعدما بدأ "ربيعها" يتحوّل حرباً متنوّعة.
استمر الانقسام المسيحي بعد شغور الرئاسة بانتهاء ولاية لحود. ولم يفارق الطموح الرئاسي العماد عون يوماً. وبعد أشهر أنهى "اتفاق الدوحة" الفراغ على حساب "الجنرال"، لكنه عوّضه بقانون انتخاب مكّنه بمساعدة "حزب الله" من تكوين كتلة نيابية كبيرة. وانتُخب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. والمقابل الذي حصل عليه "الحزب" كان "ثلثاً ضامناً" في الحكومة تحوّل ثلثاً معطّلاً. واللافت أن سليمان وفي أولى حكوماته رضي أن يكون الوزير الذي يمثله ممثلاً فعلياً لـ8 آذار، ولم يفطن الآخرون الى ذلك الا عندما قدّم استقالته ذات النتائج المعروفة. أما على الصعيد الرئاسي فقد بدا للناس أن موقف سليمان تطوّر خلال ولايته، إذ كان يعتبر في بدايتها قريباً نسبياً من 8 آذار أو متفهّماً له. وصار قبل انتهائها أقرب الى 14 آذار. وبدا أيضاً أن نية "التمديد" خطرت له، فجسّ نبض الناخبين الكبار المحليين والخارجيين حيالها، رغم إنكاره ذلك، لكنه لم يلق تجاوباً. وبعودته الى بيته شغر من جديد قصر بعبدا ولا يزال شاغراً منذ 25 أيار 2014. والأسباب كثيرة منها إصرار العماد عون على أن يُنتخب رئيساً بتأييد من حلفائه ورفض 14 آذار ذلك. ومنها أيضاً دخول سوريا والمنطقة عموماً مرحلة حروب أهلية ومذهبية دامية و"تورّط" "حزب الله" ولبنانيين آخرين فيها. وقد عطّل ذلك الدولة والمؤسسات وشغل الناخبين الكبار الخارجيين عن القيام بدورهم اللبناني. كما أن التطورات الاقليمية – الدولية المتسارعة قد تكون جعلت كلاً من الفريقين الكبيرين يميل الى استمرار الفراغ الرئاسي ريثما تحصل تطورات تصب في مصلحته السياسية وربما المذهبية.
طبعاً في السنة الثانية من الفراغ الرئاسي حصول تطوران، الأول تفاهم "القوات" و"التيار الوطني الحر" ثم ترشيح الأول زعيم الثاني للرئاسة الأولى. والثاني اختلاف مسيحيي 8 آذار جرّاء ترشيح زعيم 14 آذار و"تيار المستقبل" النائب سليمان فرنجية للرئاسة، ورغم ذلك استمر الفراغ ربما لأن وقت ملئه لم يحن بعد. وصار واضحاً أكثر أن مصير المسيحيين لم يعد بيدهم بل بيد المسلمين بشقيهما رغم شاعرية كلام الجميع عن المشاركة والمناصفة وما الى ذلك.
هل يستمر الفراغ الرئاسي وهل يتأثر دور مسيحيي لبنان سلباً؟