هذه رسالتي أوجهها لسماحة أمين عام حزب الله الأخ السيد حسن نصر الله (سدده الله) .
بسم الله الرحمان الرحيم
أتوجه إليك برسالتي العلنية هذه بعدما أقفلت قيادة الحزب الحالية سبل النقاشات الداخلية وركب كل كادر وقيادي رأسه "متوهما" أنه فوق المسائلة، فأضله وهمه وما هدى !!
بعد التحية والسلام .. أقول :
سماحتك تعلم أن الطائفة الشيعية في لبنان لا تزيد عن المليون وسبعمائة ألف نسمة . ثلثهم مهاجر، ولهم حدود ثلاث . حد مع البحر الذي هو حد معادي لأن يدنا ليست فيه العليا، وحد مع فلسطين التي بيننا وبين محتليها أكثر من داحس وغبراء، وحد مع سوريا التي تحولت -شئنا أم أبينا- إلى أخطر الحدود الثلاث بعدما جرى هناك .
ولطالما تعرضت الطائفة الشيعية في لبنان للويلات على مر الزمان، وكان المنقذ منها رحمة الله وحكمة قادتها . إلا أن ما يجري اليوم داخل الطائفة أكثر من خطير . فالوضع الإجتماعي والأخلاقي والاقتصادي وعلاقات أبناء الطائفة فيما بينهم بات في أسوأ حال لكل بصير . وزاد الطين بلة أخطار خارجية بعدوات كبرى لن تنسى وسيظهر أثرها الكارثي بعد حين .
وحزب الله كأحد مكونات هذه الطائفة حمل مشروعا عند تأسيسه يبدأ بتحرير الأرض ولا ينتهي بإحياء المجتمع من الداخل من موت ألحقته بنا غزوات خارجية وزعامات تاريخية من داخل الطائفةونظام لبناني فئوي .
دخل حزب الله النظام اللبناني سنة 1992. صبر الناس على تجميد عمله داخل النظام إلى ما بعد التحرير سنة 2000 لظروف تلك المرحلة . إلا أن هذا التجميد بات استراتيجية تنتهجها القيادة الحالية التي تترأسها سماحتك .
لحزب الله نصف كل شيء في الحصة الشيعية، بل وهيمنة كبيرة على بعض قرار غير الشيعة، إلا أن الحرمان والإهمال على مستوى "الجبهة الداخلية" بات مروعا، وأشرف الناس يتضاربون في الشوارع من أجل الماء والكهرباء، بينما الفساد الأخلاقي والإجتماعي يستشري في مجتمعنا حتى أصبح عادة اعتاد الناس عليها ويستقبحون تركها !!
لم يشهد تاريخ الكتلة النيابية للحزب منذ 24 سنة أن أحدهم افتتح مدرسة أو مستشفى مجانية أو شبه مجانية للفقراء، أو بئر مياه أو مصنعا لليد العاملة من شبابنا العاطل عن العمل الذي تحول بسبب ذلك إلى تجار ومدمني مخدرات وفسق وفجور، وحجة الحزب المعلنة أن ذلك يؤدي إلى التصادم مع جهات شيعية أخرى، وأن الحزب لا يريد ذلك، بينما يعلن الحزب أنه قادر على هزيمة الأمم في سوريا، ويرى نفسه قادرا على تعيين الرؤساء الثلاثة في لبنان، ولكنه يعلن عجزه عن تأمين الماء والكهرباء وافتتاح مصانع لشباب مجتمع صغير كمجتمعنا الذي بات يسترزق بدمه !! بينما الجمهورية الإسلامية التي هي دولة ولاية الفقيه تجالس حتى الشيطان الأكبر من أجل مصلحة شعبها الإقتصادية، في الوقت الذي يخرج علينا في لبنان من يجعل الشيعة شيعا ويقسمهم إلى شيعة أهل البيت (ع) ﻷنهم يدينون له بالولاء، وشيعة السفارة التي قتلت دولتها أطفالنا لعشرات السنين ولا تزال، في الوقت الذي يقوم الولي الفقيه الحكيم بلملمة شعبه وجمعهم حوله ولو أدى ذلك إلى تركهم يخوضون تجربة لا يريدها، وأنت تعلم أنه لا يريدها، وقلتها لنا بلسانك في أحد المجالس، وهي تجربة الإنفتاح على الأمريكيين والإتفاق معهم !!
مع أنني بعد أن تعرفت على جزء من هؤلاء النخب الذين تصفهم بأنهم "شيعة ﻷمريكا"، لم ألمس منهم سوى الحرص على المذهب وعقيدته، بل نصحوني أن لا أسمح لأحد باستغلال كلامي ضد المذهب !! فهل هؤلاء باتوا شيعة ﻷمريكا لمجرد أنهم اختلفوا معنا في السياسة، فأخرجتهم من المذهب الإثني عشري، مع أن الحقيقة أنها هي التي خرجت !! 
هل من الحكمة أن يقوم من يفترض به أنه أحد آباء شيعة لبنان بتمزيق أبنائه بهكذا مصطلحات قد تلقفها الإنتهازيون والوصوليون من مدعي الولاء له، وباتوا يستعملونها لمزيد من الإنشقاقات داخل هذه الطائفة التي هي أساسا ودوما محاطة بأعظم المخاطر من داخل لبنان وخارجه ؟!
إلى متى ستستمر القيادة "الحالية" لحزب الله بإدارة ظهرها لمن أوكلوها أمرهم، وإلى متى سيستمر التعاطي الإنتفاعي الإستغلالي من قبل قيادة الحزب مع هذه الطائفة الطيبة، حتى لم أعد ألمس أي حرص من أفراد هذه القيادة على مصالح الشيعة وحياتهم الكريمة، بل حتى على بقائهم، حيث تم رفع شعار عجيب وهو "بكربلا الكل استشهد" ؟!!
بعيدا عن الشعارات الفارغة عن العزة والكرامة التي لا تعني عند هذه القيادة -المنتفخة بالمصالح الشخصية- أن تعمل على تأمين أبسط وسائل الحياة في هذا الزمن من ماء وكهرباء وعمل للشباب ؟!
إلى متى ستستمر هذه القيادة بإشعار ناسها أنهم ودمائهم مجرد وقود لمحرك حياتهم وكراسيهم ووجاهتم، بل باتوا يمنون على الناس أنهم يتزعمون عليهم ؟!!
لقد ترك لنا السيد الشهيد عباس الموسوي وصية في خطاب الوداع الأخير في جبشيت، وتضمنت مشروع عمل متكامل، إلا أن قيادة الحزب من بعده أخفت عن الأجيال هذا الخطاب الجليل حتى لا يقارن الناس بين عملهم الفاشل ومشروع السيد عباس المتكامل . فبينما كان السيد عباس يطالب بجر مياه الليطاني إلى بيوتنا وحقولنا، بتنا وبعد 24 سنة من عهد هذه القيادة -التي جائت من بعده- نطالب بتجفيف نهر الليطاني ﻷنه تحول إلى أهم مصدر للأمراض السرطانية . وعلى هذا لك أن تقيس باقي الأمور !!
هل قاتلنا إلا ﻷجل حياة كريمة، فلماذا تحول مفهوم العزة والكرامة عند هذه القيادة إلى مجرد أننا ما زلنا أحياء نتنفس، وأعدموا مفهوم الكرامة الصحيحة عند الناس، بينما تعني الكرامة في حياتهم وخياة عوائلهم رفاهية تامة ؟!!
لم يسبق لحزب الله أن وصل إلى هذا الحد المتردي من البعد عن آلام أهله والنظر إليهم كبشر كرام . فحتى رجال الدين الذين دفعوا وكامل أفراد أسرتهم حياتهم فجر 13 تموز 2006 ثمن ادخار الحزب لصواريخ المقاومة البعيدة المدى تحت بيوتهم، لم يلقوا بعد استشهادهم ما يدل على الإحترام لهم سوى صورة على مدخل بلدتهم الدوير، بينما يتعاطى باقي رجال الدين في الحزب "بالتقية" داخل الحزب وآخرون بالتملق لمسؤوليهم ﻷنهم يخافون على مورد رزقهم . وهذا أمر سمعته ولمسته من كثيرين منهم وهو أمر معروف داخل الحزب !!
فلا اهتمام بأرواح الناس ولا بكرامة الناس ولا بحياة كريمة لمجتمع خدم لبنان والأمة بكاملها، فيما نشأت بيئة داخل قيادة الحزب دفعت بالكثير من كبار القادة ليصبحوا عملاء ولصوص كبار، ومنهم من هم في الطريق لذلك، وسماحتك تعرف ذلك جيدا !!
أما أخلاق ودين بيئة أنصار الحزب، فحدث ولا حرج . قبل مدة بدأت بالحديث حول شؤون الوضع الشيعي الداخلي وسألت عن دور سماحتك ودور باقي القيادة، فكان الرد بكلام لا ينم إلا عن الحضيض الديني والأخلاقي الذي وصلت إليه هذه البيئة على كل مستوى، بينما كوادر الحزب من بيوتهم إلى مراكزهم ثم إلى بيوتهم، ولا هم لهم سوى مصالحهم الشخصية واصطياد الشباب ليقاتلوا في الحروب .
بينما رد بعض المحبين لسماحتك من داخل الحزب عبر الإتصال بي والطلب مني عدم تناول سماحتك والإقتصار على كل من سواك، لأنك لست الآمر الناهي داخل القيادة، ذاكرين لي كمثال على ذلك، تعرضك وبكل وقاحة للتهديد قبل أسابيع في إحدى الجلسات القيادية -عندما أصريت على أمر معين- بإلحاقك بط بالقائد الجهادي الذي "تم إعدامه" قبل حوالي الشهرين !!
إن الوضع داخل الطائفة والحزب كما الوضع في كل الساحة اللبنانية في أسوأ حال، وإن غض الطرف عن كل ذلك لن يدفع بالأمور إلا إلى النتيجة التي وصل إليها من سبقكم من منظمات لبنانية وغير لبنانية، وليس فوق رأس أحد مظلة تقيه أمطار السنن عندما تتحقق أسبابها .
سماحتك تعلم أن قيادة الحزب الحالية إنتهت صلاحيتها منذ سنوات، وباتت رائحتها تصيبنا بالزكام، والمجتمع الذي تسبح به المقاومة بات موبوءا بأخطر الأوبئة ويحتاج إلى حلول كبيرة وسريعة قبل حلول التلف، وهو مجتمع يستحق أكثر من مجرد كلمات المديح . فالقرارات المختلفة التي اتخذتها هذه القيادة لم تعد ولن تعود نتائجها على جسم الحزب فقط، بل ستشمل الشيعة بأكملهم، بل وغير الشيعة أيضا . والمطلوب هو العودة إلى الواقع، فنحن الشيعة في لبنان لم تبق لنا حدود صديقة مع أحد، وداخلنا مهترئ، والكل يتربص بالكل، وما هو آت كبير، ولم شمل مجتمعنا بكل أصنافه ونخبه وفئاته هو أمر ضروري جدا وسريعا وبعيدا عن النكايات الشخصية . 
لقد ابتعدت قيادة الحزب الحالية كثيرا بحزب الله عن أهله وأهلها، بل ومارست وتمارس تمزيق الشيعة، فبعض مكروا به مكرا كبارا، وبعض خذلوه بسبب سفاهة سياستهم، بينما "تجلت أخلاقهم الوهمية" مع غير الشيعة من الطوائف والشخصيات !!
إبحث "بالسراج والفتيلة" عن كل فرد من أفراد البحر الذي تسبح به المقاومة وتصالح معهم فإنك لن تجد سواهم وقت الشدة الذي أعتقد أنه لن يكون بعيدا، وشاور في الأمر عقول رجالهم، فإن ذلك يخفف عنك حمل نتائج القرارات التي ستعود على الجميع، ولا تقتصر على مجلس شورى حزبي مجهول . فالإعتناء بإخوتك هؤلاء أولى بكثير وكثير من الإعتناء بغيرهم عبر تحالفات سقط بعضها وسيسقط الباقي عند أول شدة جادة ستطال هؤلاء في المرحلة المقبلة عند تبدل المصالح والسياسات في المنطقة، فإنما المؤمنون إخوة، فأصلح بينك وبين إخوتك يا سماحة السيد . فالواقع يتبدل، والناس تبتعد، ولا تغرنك الولاءات الحالية والمدائح الجوفاء، فإنها "ولاءات الضرورة" ومدائح نفعية . وأحبب حبيبك هونا ما فعسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما فعسى أن يكون حبيبك يوما ما . فالعداوات الواقعية في داخلنا باتت كبيرة وجادة، ولن أضيف ما يفيد الأعداء الكثر، وما ذكرته كان لا بد من ذكره لأبين الخطر المحدق بالشيعة والحزب، من داخلهما ومن خارجهما . هذا الخطر الذي أعتمد على فطنتك لتقرأه بين سطور كلماتي، ولتعلمن نبأه بعد حين .
{فسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد}