الوحدة التي فرضها بشير الجميّل بالقوّة العسكرية على المسيحيين لم تكن شاملة. فزغرتا ذات الزعامات العائلية الخمس كانت، رغم تأسيس إبنها رئيس الجمهورية (الراحل) سليمان فرنجية "الجبهة اللبنانية"، تشعر بالقلق من توسّع نفوذ بشير داخل حزب الكتائب وهيمنته على أحزاب مسيحية عريقة وتنظيمات صغيرة، ومن توسّع انتشاره خارج مناطق نفوذه التقليدي. ولم تكن مستعدة للتسليم له لا بالسياسة ولا بالقوة العسكرية. طبعاً كشف انتخاب بشير رئيساً عام 1982 عدم اعتراض بعض زعاماتها على التعاون مع الكتائب. لكن ورغم شبه التساوي بينها في الشعبية داخل المدينة فإن القيادة فيها كانت "لبيت فرنجية" كما كانت التسمية. السبب الأول لذلك كان وصول إبن لها الى رئاسة الجمهورية للمرة الأولى في تاريخها. والسبب الثاني كان اندلاع الحرب عام 1975 التي جعلته حكماً زعيماً لزغرتا و"رئيساً" لـ"الجبهة اللبنانية" وانخراطه فعلياً في مواجهة التحالف المسلم – الفلسطيني فيها. وكان ذلك عبر ميليشيا "المردة" التي أسسها نجله الراحل طوني فرنجية من أبناء العائلات الزغرتاوية كلها رغم اختلافاتهم، وكذلك من أبناء الزاوية أي "المزارع". والسبب الثالث كان تمتع فرنجية الأب والرئيس وفرنجية الإبن بصفات قيادية وبولاء العائلة واستعداد أبنائها للتضحية بكل شيء في سبيلهما. وكانوا أقوياء الشكيمة ومقاتلين، وهذه صفة زغرتاوية عامة، لكن وجود قيادة فاعلة عندهم ميّزهم وأعطاهم القيادة العامة للمنطقة. وقد ترسّخت لاحقاً بعد الانقسام بدعم سوريا الأسد.
الوضع الزغرتاوي المشروح هذا مع استمرار التوسّع الكتائبي وتّر العلاقة بين الفريقين وتسبّب باشكالات ثم مشكلات بين أنصارهما. ولم تفلح الاتصالات والاجتماعات سواء بين طوني وبشير أو بين مساعديهما في حلّها. أما القشّة التي "قصمت ظهر البعير"، كما يُقال، فكانت الزيارة الحزبية الشعبية التي قام بها الأب الشيخ بيار لإهدن من طريق بشري لزيارة "حليفه" الرئيس فرنجية. إذ رافقتها تظاهرات شعبية غير مسبوقة مؤيّدة له في معظم "الزاوية" وخارجها وتخللها ظهور مسلّح واطلاق رصاص. "طار عقل" الرئيس فرنجية فاستقبله بغضب واسمعه كلاماً قاسياً. انتهت الزيارة على خير. لكن أسباب الافتراق على زعل وبمشكلة كبيرة كانت اكتملت. فمن جهة اعتبر فرنجية أن زعامته وزغرتا مهدّدتان جدياً. ومن جهة أخرى أيقن الكتائبيّون وخصوصاً زعيمهم الجديد بشير أن توحيد البندقية الشمالية المسيحية مع بندقيته في الشمال لم يعد حلماً سهل التنفيذ. وبدأت الاصطدامات الفردية. ثم نفّذت "القوّات" (أي الكتائب) "غزوة" لإهدن عام 1978 قتل خلالها 32 أو 33 زغرتاوياً بينهم نجل الرئيس فرنجية طوني وزوجته وابنته. وكان الرد الزغرتاوي قاسياً على مناصري منفّذي الهجوم في المنطقة. فانقسمت الجغرافيا المسيحية والجبهة السياسية المسيحية. وطبعاً أفادت من ذلك سوريا. وما جرى بعد ذلك معروفاً.
طبعاً لسنا هنا في معرض التأريخ غير المتوافرة عناصره كلها بل في معرض الإشارة الى أمرين. الأول التأكيد أن "بيت فرنجية" في حينه قاتلوا الفلسطينيين وحلفاءهم بضراوة، وأن زعيمهم سليمان اختلف من موقعه الرئاسي مع الحكم السوري أكثر من مرة، وأن خلافه مع "الجبهة" وعمودها الفقري الكتائب - "القوات" لم يحصل لأنه أراد تقديم خدمة للرئيس (الراحل) حافظ الأسد. والثاني التأكيد أن اعتراض فرنجية على العلاقة القواتية - الكتائبية مع إسرائيل ورفضه لها لم يكن السبب في الخلاف، فالشقاق ثم الحرب، بل المحافظة على الزعامة العائلية عند فريق وتوسيع الزعامة الحزبية عند الفريق الآخر.
طبعاً لا بدّ من التأكيد أن فرنجية لم يكن له أي اتصال بإسرائيل لا مباشرة ولا بالواسطة ولم يشارك في اتصالات "القوات" – الكتائب معها. ولو فعل ذلك لكان أعداؤه "طنطنوا" بذلك ليل نهار. لكن ذلك لا يعني أنه لم يعرف بالاتصال ربما لاقتناعه بأن المسيحيين كانوا في خطر يومها. ولا أحد يعرف اذا كان اعترض عليه.
وكان الانشقاق ضربة قاصمة للمسيحيين في الحرب. طبعاً حاولت "العائلة" المؤسّسة للكتائب حصر مسؤولية "غزوة" زغرتا بقائدها سمير جعجع. وساهم في ذلك الشيخ أمين الجميّل. ولاحقاً استمالت سوريا (الراحل) إيلي حبيقة من "القوات" وكان له دور أيضاً فيها. لكن المعلومات المتوافرة كلها تشير الى أن قرارها اتخذ على أعلى المستويات الحزبية.
هل وحّد اتفاق الطائف المسيحيين عام 1989 أم زاد في شرذمتهم؟ وهل توحّدوا بعده، ثم بعد خروج سوريا عسكرياً فقط من لبنان عام 2005؟