مصطفى الشامي، شاب امتهن العمل الصحفي باكرا، واستل قلمه منذ نعومة أظفاره ليكتب الشعر والنثر. وهو في باكورته الاولى "بحر العذاب" يجمع بين النص الوجداني، والسرد الخاطف، ليعكس مرارة الرؤى من خلال الواقع المتشظي في بلادنا العربية، ومن خلال تجربة النفس التواقة دائما الى تحقيق الاحلام، والمصطدمة بمرارة المعوقات، أو بمرارة العذاب، حين يصبح العذاب بحراً.
حول عمله الاول، وأفكاره، وثقافته، كان لنا مع مصطفى الشامي الحوار الآتي:

■ صدرت لك مجموعة قصصية، هي باكورة أعمالك. لماذ اخترت كتابة القصة لا الرواية؟
- منذ الصغر كنت أرى شقيقتي الكبرى تكتب الشعر المقفى. فكنت أحاول أن أكتب مثلها، وسرعان ما استعنت بها كقارئة. فكانت تشير إلي بأن ما أكتبه ليس شعراً، بل هو نثر. وشجعتني على كتابة النصوص... وفي المدرسة كانت معلمة اللغة العربية عندما تكلفنا بكتابة مواضيع في مادة الإنشاء، تقول لي إنّ لدي خيالا واسعا في سرد القصص. ومن هنا بدأت الفكرة تنمو بداخلي. وبدأت بكتابة القصص البسيطة، التي لا تخلو من البصمات الطفولية، ومن بعدها تركت الكتابة فترة طويلة بسبب إهتمامي بالدراسة، ومن بعدها بسبب انشغالي في العمل. لكن دائما كنت أطالع الكتب المختلفة من قصص وشعر وغيره... وفي عمر الواحد والعشرين عدت الى الكتابة وكتبت أول قصة لي بعنوان "بحر العذاب" وهذا إسم كتابي، الذي هو المولود الأول،وقد استغرق مني في كتابته مدة طويلة. و في العموم انا أرى نفسي في القصة أكثر منها في الرواية. 
■ لفن القصة مواصفات محددة ومتكاملة، هل استطعت أن توفّق بين الشكل الكتابي، وبين الهمّ الإجتماعي والعاطفي في المجموعة؟
- القصة أداة، تعتمد في تصنعيها، على مواصفات محددة، يتم جمعها، لتصبح متكاملة ومتماسكة، فسردية القصة تحمل المقدمة الموضوع والخاتمة، حيث تم الربط بين بعضها البعض. وهناك الصياغة وإعادة القراءة والتصحيح. وفي بعض الأوقات، هناك حذف فقرات واعادة كتابة فقرات جديدة، بغية الإنتهاء إلى صيغة فنية متكاملة وجاذبة للقراء. لكن حقا هي صعبة. أما الهم الأجتماعي والعاطفي فلهما تأثير كبير في الحياة، فأنا في بعض الأحيان أكتب لحظات من حياتي الإجتماعية والعاطفية، في قصة أو في شعر أو في خاطرة، لكن أعود من حيثما بدأت. إذْ أكلم ذاتي فأعيد صياغة الكتابة من جديد. لكنّ الأمر لا يخلو من تأثير التراكمات الإجتماعية المحيطة بنا. فأرصدها في كتاباتي، كرصدي لرتوش الحياة اليومية التي أمر بها. 
■ هل الحزن طريق آخر للمعرفة والعبرة؟ وماذا عن شخوص قصصك، هل هم من أبناء المجتمع الهجين؟
- لن أنكر أن الحزن هو الطريق للمعرفة والعبرة. ففي بعض الأحيان يحمل السرد الحقيقي، المتعة لجعل القارئ يدخل في مناخ القصة، ويمضي معها الى النهاية، ولكن، لكي نتمكّن من جعل القارئ يقرأ، يجب أن تحمل مقدمة القصة، سمات سردية لافتة، سواء كانت محزنة أم مفرحة. أما شخوص قصصي، فالبعض منها من أبناء المجمتع الهجين، والبعض الآخر من بنات خيالي، فالحياة تحمل قصصاً كثيرة، ونحن نعيش بعضها ونشاهد منها الكثير، ونمر بتجارب كثيرة. الأمر الذي يحتّم علينا أن نكتبها، لنجعلها نصوصاً متاحة في كتاب. فدائما تحمل الكتابة رسالة موجهة الى المجتمع الذي نعيش فيه.
■ تكتب الشعر أيضاً، إلى أي درجة تأثر أسلوبك السردي بفنيّة الشعر؟
- أولاً كنت أكتب الخواطر، ومن بعدها كتبت الشعر النثري. و لديّ صديق عزيز كان دائما يخبرني بأنني أبدع في الشعر، لكن باستطاعتي أن أكتب قصة، فتكون كتاباتي أجمل وأجمل. فعدت الى كتابة القصص، ولم يتأثر أسلوبي الشعري سلباً في هذا الإطار.
■ كونك إعلاميا أيضا.هل يثري الحس الصحفي مسار الأحداث في الكتابة القصصية؟
- يمر علينا في الإعلام، حالات إجتماعية كثيرة ومؤلمة، نتأثر بها ونكتب عنها مقالات، يتم نشرها على بعض المواقع. لكن في كتابة المقال لا يسمح لنا بكتابة كل شيء. فعلينا أن نكتب بعض الأحداث فقط، وأن نجعل قلمنا يكتب النثرات من الحوادث. لكن نبقى متأثرين ويترك كل حدث بقلوبنا بصمة. فحتما الحس الصحفي يأخذ مساره. فليس بأيدينا شيء سوى الجلوس وراء اقلامنا ودفاترنا لنروي قصص الحياة وأسرارها وأحداثها الجبارة التي نشهدها.
■ سوق الكتاب العربي، يعيش اليوم عصر الرواية. هل تفكر بخوض هذا الفن الروائي؟
- صحيح إن الكتاب العربي يعيش اليوم عصر الرواية لكن لا يمكننا دفن فنّ السرد القصصي، أو أن نتوقف عن كتابة الشعر أيضا. فمعظم الكتاب اليوم ليسوا منحازين الى كتابة الرواية فقط، وما زلنا نرى أن الشعر النثري والشعر المقفى والعمودي، له شعبيته. وأدرك أيضا ان ثمة أدباء وشعراء، يكتبون القصة على مختلف انواعها. فلذلك لا يمكننا تجاهل كتابة القصة القصيرة، والشعر، لمجرد شيوع فنّ الرواية. حتى وإن كان للرواية أهميتها في الحياة، وميزتها الخاصة. لا شك في أن الرواية تحمل مواصفات فنية كبيرة، لكن الأكيد أنني سأخوض هذه التجربة، إن شاء الله، وبصراحة أنا أعمل عليها اليوم، وهي ستكون رواية مشتركة. 
■ هل انت منفتح على الآداب الأجنبية؟ كيف ترصد أوجه الإختلاف بين هواجس الكاتب الغربي، وهواجس الكاتب العربي؟
- دخلت الى عالم الآداب الأجنبية وقرأت بعض الكتب. لكن لم أر الحس الشعري في تلك الكتابة. لم أسمع تناغم الموسيقى بين الأبيات الشعرية فيها. حتى الصور الشعرية قليلة، رغم أن هناك عدداً كبيراً من الكتاّب الغربيين، معروفون في عالمنا العربي. لا شك في أنّ هناك إختلافاً بين القصيدة العربية، والقصيدة الأجنبية، فالشعر العربي يتمتع بالموسيقى الكلاسكية الرائعة التي تنساب إلى الأذان بنعومة وطرب، بحيث يستمتع القارئ بشغف الحرف المكتوب بين الأسطر.وكذلك الشعر الغربي لديه هذا الوقع الموسيقي، ولكنه أكثر إنفاذاً للتحرر الموسيقي، وأكثر إتجاها نحو الصور الجامدة التي نحاكي في بعضها جوهر المادة.
■ ما هي العوائق التي واجهتك كشاب في مقتبل العطاء، أمام نشر كتابك الأول؟
- الحياة الإجتماعية التي نعيشها، صعبة جدا. فتكلفة طبع كتاب، تحتاج مبلغا كبيرا من المال، وهذا يتطلب وفرة في القيمة الإنتاجية. لكن أشكر الله فقد وضع في دربي إبن الحلال. صديق عزيز ساعدني وما زال يدعمني حتى الآن.
■ ما هي أحلامك؟
- لعل الشاب في لبنان لا يستطيع أن يحلم. ربما في الخارج هناك احلام اكثر، أحلامي كبيرة.ولكن ما زلت في بداية الطريق على درب الشعر والادب والرواية.

من نصوص الكتاب:"على جبين القمر":
أكتب، لأكتب حكايتي مع الزمان على جبين القمر، فتقع دمعتي أرضا، ولا أدرك كيف سألتقطها، فأبحث عن ذاتي. أحفرالتراب فلا أجد أثراً لي، أكتب لأعبر عن نفسي في حكاية، فأرى قصائدي تحترق وأقلامي تتكسر والحياة تتجرد مني.
وأنا أسير في ممراتها أحاول جاهدا إيجاد مخرج لي. لكن لا شيء سوى ظلام وعتمة حالكة تسحبني لمتاهات قاتمة. فأفر أركض لأهرب من مطبات الحياة، لكنّ حبالا متماسكة تشدني الى الوراء، تغرقني في مكاني. ودائما أغوص في أمل تائه في صحاري قاحلة، لا ماء بها ولا ثمرة حية، فأمشي ويمشي ظلي ورائي يعاتبني على أفكاري يلاحقني وكأنني أسجنه في روحي. هو يريد أن يتركني وحيدا فيغادر الحياة، فتحرقني الشمس ويجمدني الليل، فأنا مع ألم يسكن جسدي، يتمسك بي. الدنيا ما زالت تخترق أيامي وزماني وتتلوعلي حزنا جميلا لا مفر منه، سوى المكوث معه. هذه حكايتي مع الزمان، يبكي القمر تشققا في مكانه، شاعراً بكلماتي، متنهدا لغربة الحياة بي... وبإختفائه عن عتمة الليالي".

غادة علي كلش