قبل الحديث عن استمرار الوحدة المسيحيّة بين كتائب بيار الجميّل و"قوّاتها" برئاسة بشير والزعامات المسيحيّة الأخرى لا بدّ من التعرّض إلى العلاقة بين الأخير وشقيقه أمين التي كانت أثرّت سلباً على الوضع المسيحي وعلى لبنان. ما يمكن قوله في هذا المجال هو أن العلاقة المذكورة لم تتحسّن، لا بل ساءت. لكنّها لم تنفجر لسببين. أوّلهما إدراك أمين أن شقيقه نجح في استقطاب غالبيّة المسيحيّين وأن الـ"مشكل" معه لن يكون في مصلحته، كما أنّه لم يكن في وارد التسبّب في خسارة للمسيحيّين عموماً جرّاء الطموحات المُتناقضة عندهما. وثانيهما وجود الأب الشيخ بيار الذي كان بكامل عافيته ومحبوباً ومُهاباً من حزبه حتّى بعد توسّعه المسيحي. ولكن "الانتصارات" التي حقّقها بشير مسيحيّاً والغزو الإسرائيلي للبنان (1982) ودوره الكبير في انتخاب الأخير رئيساً للجمهوريّة ضاعفا مرارات أمين، لكنّه كَبَتها رغم إخفاقه في إخفائها في المحيطين الكتائبي والمسيحي والوطني والعربي، حيث كانت له اتّصالات جيّدة، وربّما بدأ الاستعداد للابتعاد.
إلّا أن اغتيال شقيقه الرئيس قبل تسلّمه سلطاته الدستوريّة في ظلّ الوضع المسيحي "المُنتصر" والمأزوم والوضع اللبناني المأزوم أعاد له الأمل في تزعّم الحزب المتضخّم شعبيّاً جرّاء "الخوف". فوالده المفجوع لم يكن أمامه سوى ترشيحه حفاظاً على وضع حزبه والوضع المسيحي عموماً. والمسلمون الّذين لم يصوّتوا لبشير قرّروا "ترئيس" شقيقه لأنّه أظهر "اعتدالاً" وطنيّاً وقوميّاً في حياة الأخير، ولأن سوريا اقتنعت، بعدما صارت اللاعب العربي الوحيد في لبنان جرّاء طرد اسرائيل "منظّمة التحرير" وزعيمها عرفات ومقاتليه في البلاد، بأن التعامل مع مسيحي قوي بحزبه وبرصيد شقيقه وبراغماتي أي "يأخذ ويُعطي" وغير جذري في طروحاته أفضل من أي خيار آخر. وأمران ساعداها في اتخاذ موقف كهذا. الأوّل استمرار الاحتلال الاسرائيلي الواسع في لبنان الذي أخرجها منه وبالقوّة إلى البقاع وتالياً إستمرار دوره الرئيس في "اختيار" الرئيس"، والثاني قرار باستغلال التمايز بين أمين وبشير الذي كان وصل إلى القاعدة والميل الرسمي عند الأوّل إلى تفضيل التعاون مع العرب على التعامل مع إسرائيل من أجل زعزعة أو ربّما ضرب الوحدة المسيحيّة السياسيّة والعسكريّة، ولا سيّما في ظل استحالة بقاء إسرائيل في كل الأجزاء اللبنانيّة التي احتلتها، وكذلك من أجل العودة العسكريّة إليها واستكمال تنفيذ مخطّطها للبنان بعد "انتهاء" المنافس الفلسطيني لها. طبعاً الذكاء لم يكن ينقص أمين، وكان يعرف أن عليه أن يُتابع الاتصال مع إسرائيل الذي بدأه شقيقه بموافقة حزبه وعدد من حلفائه من أجل "احتلال" قصر بعبدا. فوسّط صديقاً لبشير لإقناع إسرائيل عبر شارون الذي كان يزور بكفيا معزيّاً بعدم تأييد الرئيس كميل شمعون للرئاسة وخصوصاً بعد إعلانه ترشيحه. نجح الصديق وكذلك الوالد وطبعاً ساهمت "الوعود" التي قُدّمت في ذلك.
لكن الوحدة المسيحيّة وتحديداً الكتائبيّة التي فرضها بشير بالقوّة تهدّدت بل انهارت في عهد أمين. فهو لم ينسَ "الاختلاف" المُزمن كي لا نقول الصراع. إذ بدلاً من أن يتصرّف كمسؤول عن "القوّات" التي وضعت نفسها في تصرّفه في البداية، تصرّف على ما يقول كثيرون بشيء من "الكيديّة". كما أن سياساته غير المتماسكة تجاه "الحليف الإسرائيلي" كما تجاه الحليف الأميركي وتجاه "العدوّ السوري" وتردّده وعدم امتلاكه استراتيجيا واضحة في الداخل ومع الخارج أفسحت في مجال بروز التنافس بين "قادة" "القوّات" وفي مجال استغلال سوريا ذلك. كما أفسحت أمام إسرائيل في مجال استغلال الدخول "القوّاتي" غير المبرّر إلى الجبل بعد انتخاب بشير "للّعب" بدروزه والمسيحيّين من أجل فرض توقيع اتفاق 17 أيّار على أمين."اختلط الحابل بالنابل" كما يُقال و"تجزّأت" "القوّات" والكتائب. ثم انفصل الاثنان وصارا حزبين. وضباط الجيش الذين عملوا مع "القوّات" استيقظت طموحاتهم السياسيّة فاستغلّها الرئيس أمين. وكان ذلك سبباً في حرب جعجع – عون التي سُمّيت حرب الأخوة، وفي نشوء وضع سياسي غير دستوري سمّاه المجتمع الدولي والغربي تمرّداً استغلّته سوريا، مع وضع إقليمي فرض تدخّلاً دوليّاً واسعاً في الخليج لضرب "التمرّد" ولاحتلال المنطقة المسيحيّة ولتنفيذ "اتفاق الطائف" بتكليف من العرب والمجتمع الدولي على النحو الذي يخدمها. ونجحت في ذلك.
ماذا عن الوحدة بين الكتائب والزعامات والتيّارات المسيحيّة الأخرى في أثناء الحرب؟ وكيف فرطت؟