ما إن انتهت أول من أمس، الأحد، المرحلة الثانية من عملية "درع الفرات"، التي شنتها القوات المسلحة التركية لدعم فصائل المعارضة المعتدلة في آخر معاقل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في ريف حلب الشرقي، وذلك بوصل منطقة جرابلس وأعزاز الخاضعتين لسيطرة المعارضة ببعضهما البعض، حتى انطلقت، أمس، المرحلة الثالثة. وتمكن "الجيش الحر"، في اليوم الأول من السيطرة على قرى النبغة الكبيرة، والنبغة الصغيرة، وجب الدم شرق الراعي بعد اشتباكات مع التنظيم، وفق تغريدة للجبهة الشامية على صفحتها الرسمية عبر موقع تويتر. وتهدف هذه المرحلة إلى تعميق منطقة سيطرة المعارضة جنوباً باتجاه مدينة الباب كهدف على المدى المتوسط ومدينة منبج على المدى البعيد، وسط اشتداد الاشتباكات بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني على المستويين العسكري والسياسي.
 
وحققت "درع الفرات"، بانتهاء مرحلتها الثانية، أول أهداف الحملة العسكرية التركية ممثلة بتجنيب أنقرة أية موجات نزوح سورية من خلال فرض حزام على المناطق الآمنة نسبياً بتوافقات دولية، وإبعاد "داعش" عن الحدود السورية التركية المشتركة، وبالتالي تأمين المدن الحدودية التركية الجنوبية من ارتدادات للمعارك على الطرف الآخر. وكانت مدينة كيليس الحدودية تتعرض لقذائف التنظيم وعمليات التسلل لتنفيذ عمليات انتحارية في المدن التركية، وكان آخرها العملية الانتحارية التي استهدفت حفل زفاف في مدينة غازي عنتاب وأدت إلى مقتل 54 مواطناً تركياً. 
وتبدو الأرضية السياسية ممهدة للبدء بالمرحلة الثالثة بعد اللقاءات الإيجابية، التي أجرتها السلطات التركية مع عدد من قيادات الدول المعنية بالملف السوري، على هامش اجتماع مجموعة الدول العشرين في الصين، وتحديداً بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيريَه الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي باراك أوباما، وما تلاها من تصريحات، مع انفراجة مرتقبة في العلاقات التركية الأوروبية، وبالذات التركية الألمانية.

وتمكنت القوات المشتركة التركية والسورية، في المرحلة الثانية، من السيطرة على شريط حدودي بطول 91 كيلومتراً، يختلف في عمقه بين ما يقارب 24 كيلومتراً في منطقة جرابلس وصولاً إلى ما بين 3 و5 كيلومترات في منطقة الراعي، بمساحة إجمالية تصل إلى 600 كيلومتر مربع. وعلمت "العربي الجديد" أن هدف هذه المرحلة بدأ بتأمين المنطقة المحررة من "داعش" عبر تعميق هذا الشريط في منطقة الراعي ليصبح متصلاً بين مناطق سيطرة الجيش السوري الحر، شمال نهر الساجور في جرابلس نحو أعزاز.

وعلى الرغم من النجاح الكبير في سير العمليات العسكرية خلال 12 يوماً من بدء "درع الفرات"، لم تحقق أنقرة بعد هدفها الرئيسي ممثلاً بمنع حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني) من تكوين منطقة سيطرة متصلة جغرافياً على الحدود الشمالية السورية، تمهيداً لإعلان الفيدرالية وتقطع الصلة بين الأناضول والمشرق العربي. لذلك لا يبدو أمام تركيا الكثير من الخيارات سوى تعميق مناطق سيطرة الجيش السوري الحر حوالى 40 إلى 50 كيلومتراً جنوباً، أي التوجه نحو الباب، المدينة التي باتت ذات أهمية كبرى بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطي، لأن السيطرة عليها قد يكون الوسيلة الوحيدة لوصل مناطق سيطرته ببعضها. 
 
لكن مهمة السيطرة على الباب لا تبدو سهلة لأسباب عديدة، تأتي في مقدمتها التحصينات الكبيرة التي قام بها تنظيم داعش في المدينة، وانتقال أعداد كبيرة من مقاتليه من كل من جرابلس ومنبج نحو المدينة. لذلك فإن سيطرة المعارضة على الباب ستجعل قوات الجيش السوري الحر في اتصال مباشر مع قوات النظام السوري، التي تحاصر حلب من الناحية الشمالية الشرقية.

وتؤكد مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، أن مدة المرحلة الثالثة من العملية مفتوحة، ولن تتوقف إلا بضمان أنقرة السيطرة الكاملة على منبج أيضاً، التي ستكون الاختبار العملي الأول لمدى التغيير في السياسة الخارجية الأميركية تجاه أنقرة، في الوقت الذي لم يلتزم فيه "الاتحاد الديمقراطي" بتعهداته بمغادرة غرب الفرات بعد دحر التنظيم من منبج. وعلى الرغم من الهدوء الذي تشهده مناطق التماس بين كل من قوات "سورية الديمقراطية" التي تشكل قوات الاتحاد الديمقراطي عامودها الفقري، لا تزال الاشتباكات على أشدها بين الجيش التركي والحزب الأم (العمال الكردستاني) على الجبهات التركية والعراقية. 
وشنت القوات المسلحة التركية منذ بداية الشهر الحالي حملة عسكرية واسعة استهدفت معاقل "الكردستاني" بالمناطق الريفية، في كل من ولاية هكاري على الحدود العراقية وولاية وان. كما شن سلاح الجو التركي عدداً من الغارات على معاقل التنظيم شمالي العراق، كلفت الطرفين خسائر كبيرة، كانت حصة الكردستاني منها الأكبر بخسارتها أكثر من 105 من عناصره بين قتيل وأسير، بينما قتل ما يقارب الـ21 من القوات الأمنية التركية.

وأكد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، خلال زيارته إلى إحدى الثكنات العسكرية في منطقة جوكورجا التابعة لولاية هكاري، الأحد الماضي، على أن المرحلة المقبلة ستشهد تغييراً في مفهوم وإدارة مكافحة الإرهاب في الحكومة التركية، مع تسلم وزير الداخلية التركية الجديد، سليمان سويلو، والجيش التركي سينتقل من الدفاع إلى الهجوم. وأشار يلدريم إلى أن الحملة العسكرية تستهدف تجمعات "الكردستاني" داخل تركيا والمقدرة بـ10 إلى 12 تجمعاً، وكذلك إغلاق معابر تهريب الأسلحة والمقاتلين بين الداخل التركي ومعاقل التنظيم شمالي العراق.
أما سياسياً، فأعلن يلدريم أخيراً حرباً على الجناح السياسي للعمال الكردستاني في صفوف موظفي الدولة، وكذلك عن حزمة اقتصادية لإعادة إعمار وإحياء المناطق التي تأثرت بالعمليات العسكرية بين قوات الأمن التركية وعناصر "الكردستاني". 
ورداً على تصريحات زعيم حزب الشعوب الديمقراطي (الجناح السياسي للعمال الكردستاني)، صلاح الدين دميرتاش، إلى إحدى الصحف الألمانية، والتي دعا خلالها إلى التجهيز "للمقاومة المدنية" في المناطق ذات الغالبية الكردية ضد الدولة، ومؤكداً أن حزبه يدين العمليات التي تستهدف المدنيين ولا يعتبر الكردستاني تنظيماً إرهابياً، قال يلدريم: إن "زعيم حزب الشعوب الديمقراطي يصرح من ألمانيا بأن العمال الكردستاني ليس تنظيماً إرهابياً، وإذا لم يكن كذلك، فمن قتل نقيب المحامين في دياربكر طاهر إلجي، ومن قتل 16 من قرية دورملو في دياربكر؟ الكردستاني تنظيم إرهابي الأكثر قتلاً، لكن لا تقلقوا إن نهايتهم اقتربت، لن يتمكنوا بعد الآن من سحب أبنائنا إلى الجبال".
 
ووجه الكلام لشخص دميرتاش قائلاً، "إنْ نزل المواطنون إلى الشارع ستبحث عن حفرة لتختبئ فيها". وأعلن أن وزارة التعليم التركية ستقدم على فصل ما يقارب 14 ألفاً من المدرسين المرتبطين بالعمال الكردستاني خلال الفترة المقبلة بعد انتهاء التحقيقات. ويأتي هذا بينما شهدت عملية مقاضاة النواب الأتراك بعد رفع الحصانة عنهم، تطوراً ملحوظاً، بعد إصدار محكمة الجزاء الثانية في ولاية دياربكر، قراراً بجلب ثمانية نواب عن الشعوب الديمقراطي إلى المحكمة قسراً، بعدما امتنعوا عن حضور جلسات المحاكمة.
 
وشمل القرار كلاًّ من النائب، عثمان بايدمير، ودرايات تاشدمير، وجاغلار دميريل، وسلمى إرماك، وأحمد يلدريم، وبسيمة كونجا، وعلي جان أونلو، ونادر يلدريم. كما صدر قرار بإلقاء القبض على نور الدين دميرتاش، شقيق صلاح الدين دميرتاش، وأحد قيادات اتحاد المجتمعات الكردستانية (المظلة التي تعمل تحتها جميع الأحزاب والتنظيمات التابعة للكردستاني) الموجود في جبال قنديل، وكذلك علي صبري أوك أحد قيادات اتحاد المجتمعات الكردستانية.