رحم الله السيدين المرجعيين محمد باقر الصدر ومحمد حسين فضل الله على كثير فعل في الاجتهاد والتجديد وحركة الواقع ضدّ الاستعمار و "الاستحمار"  والاستكبار من خلال التأسيس لمشروع في الاصلاح والتغيير داخل العقل الديني وداخل بنيتيّ المجتمع والدولة وكان حزب الدعوة نواة المشروع الذي استقبل تجربة الاخوان المسلمين كنموذج واطار وممارسة في الدعوة وتأهيل المجتمع كيّ يقود عملية التغيير نحو الدولة الاسلامية .
بلغ حزب الدعوة رتبة الجهاد داخل المؤسسة الشرعية الدينية استناداً لمرجعية الشهيد السيد الصدر الذي أتاح له فرصة الحياة والنمو في سهولة التجربة المحمية والمحتضنة والمُغطاة بعباءة المرجع الاستثنائي الذي التفت حوله نخب دينية ومدنية بحثاً عن فضاء اسلامي ينجي الأمّة من متاهات الموت في ظل سلطويات مستبدة استندت الى خطابات قومية أو اشتراكية والى دعم استعماري هائل .
هذا الحزب  الوليد من رحم الأم الاخوانية والمُشرع من قبل المرجعية حظي بتأييد كبير وكبُر أكثر مع الوقت باعتباره الاطار الوحيد للشيعية السياسية ومع بروز الثورة الايرانية ونجحها في قيام الدولة تبرأ السيد الصدر من حزب الدعوة وذاب في الامام الخميني والثورة الايرانية ودعا جميع " الدعواتيين " الى الالتحاق بركب الثورة التي حققت حلم حزب الدعوة .
طبعاً لم يتجاوب "الدعواتيون " مع دعوة مؤسسهم الشرعي لا التنظيمي واستمروا في سريتهم التنظيمية وانتشروا في لبنان في حركة أمل وكانت لهم مواقع قيادية استفادوا منها في الدعوة والسياسة والأمن ودفعوا الحركة نحو حروب داخلية كثيرة وخاصة مع البعثيين والشيوعيين وكانت وسائل التحريض الديني مادة دسمة استغلها  "الدعواتيون " جيداً .
بعد شهادة المرجع الكبير باقر الصدر عاث حزب الدعوة فساداً في المال وفي السياسة اذ أن صراعه الشكلي مع البعث في العراق نفاه الى الخارج الأمر الذي ساهم في تعزيز العلاقات مع دول غربية وخاصة مع بريطانيا الدولة التي تتمتع بعلاقات خاصة مع رموز من حزب الدعوة وبدأت تنضج هذه العلاقة لتأخذ أشكال من التعاطي وصل الى مستويات متقدمة أتاحت فيما بعد الى تكريس نفوذ بريطاني داخل العراق من خلال المساهمة في اختيار شخصيات من حزب الدعوة لرئاسة الوزراء بعد أن سقط صدام وحزب البعث في حفرة الولايات المتحدة الأمريكية التي دخلت العراق بتأييد كامل من حزب الدعوة وبتنسيق مسبق معه .
هذا التأييد والتنسيق القائم بين الادارة الأمريكية وحزب الدعوة أسّس لولادة صيغة عراقية مخلة بالتوازنات داخل الساحة الشيعية لأنها أقرّت بسيطرة طرف لا بديل له على  رئاسة الوزراء  وهذا ما أدّى الى دفع الأحقاد القائمة بين المرجعيات والأحزاب الشيعية الى حروب  مدعوة اليوم أكثر الى تجديد نشاطها الاجرامي بعد أن بلغ سيل فساد حزب الدعوة زُبى الدولة والطائفة . وداخل الساحة السنية بسيطرة غبن وإجحاف على فئاتها من العشائر الى الاحزاب الأمر الذي دفعهم الى الارتماء بأحضان التطرف والتسلح بداعش لاسترداد الحقوق المذهبية المسلوبة .
لا أحد في العراق يجادل بفساد أهل الدعوة على كافة المستويات ولا تحتاج تجربة المالكي الى دليل فدليلها موجود فيها ويكفي ما جرى ويجري في العراق للكشف عن وجه هذا الحزب الذي يملك من الخبث والحقد والكذب والفساد ما لا يملكه الكافرون بقيم الدين . والجدير ذكره أن حزب الدعوة فرع لبنان والملتحي بأسماء حزبية أخرى قد علم الأتباع فنون الأحقاد والكذب لمصلحة الدعوة فهو أوّل المستهدفين للسيد موسى الصدر باعتباره علمانياً ولا يؤمن بالإسلام كدين ودولة ولارتباطه المشؤوم بالنظام اللبناني المسيحي الكافر الذي وفرّ له آنذاك امكانيات الحركة ونتيجة لارتباطه بحركة علمانية ايرانية مشبوهة في ارتباطه بالشاه . كم أن حزب الدعوة هو من فتح نار الكره الأعمى والحقد الدفين على الرئيس نبيه بري واتهمه بكل الاتهامات وأسّس لجيل لا يرى في الامام الصدر وحركة أمل والرئيس بري سوى أدوات لمواجهة المشروع الديني .
وبعد خلط الأوراق بين ايران وسوريا وتعميق وحدة العلاقة القسرية بين أمل وحزب الله دار كذب حزب الدعوة في كل مكان فأصبحنا نسمع من قال من قياديّ حزب الدعوة بأن موسى الصدر على شُبهة بينة من العمالة بأن الامام الصدر مؤسس المشروع الشيعي النهضوي من المقاومة الى الاصلاح والتغيير في بنيتيّ الدولة والمجتمع وبأنه الاستثناء الذي لا تنجبه الأمّة لقرون من الزمن كما أن هذا "الدعوتي" الفذ يصرخ في مناسبة وغير مناسبة بالدعوة الخالصة لمدّ  عمر الرئيس بري بمؤنة الهية كافية لبقائه بصحة وعافية مهما بلغ من العمر كونه الضمانة للطائفة والدولة . لو كان هذا القيادي " الدعوتي " صادقاً هو ومن معه من بقايا حزب الدعوة لقدموا اعتذارهم للتاريخ كيّ يكون مدحهم لمن ذموهم طويلاً أمراً طبيعياً لان الانسان كما نؤمن مشروع متحول وغير ثابت لأنه بشر وليس بحجر ..