نجحت الإيحاءات الايجابية التي تلقاها "التيار الوطني الحر" وتلقفها سريعاً في تثبيت مشاركته في جلسة الحوار الوطني اليوم، من دون أن تنجح بعد في حسم مسألة حضور وزيري "التيار" الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء المقررة هذا الخميس.

والإيحاءات الإيجابية المشار اليها تكمن في تريث الوزراء وعلى رأسهم رئيس الحكومة في توقيع المراسيم الصادرة في مقررات الجلسة الاخيرة للحكومة، والتي قاطعها وزيرا "التيار" احتجاجا على قرار التمديد للأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير الذي سيرتّب استتباعا التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي.
لكن "التيار" الذي حرص على دفع احتجاجه ليس في اتجاه مسألة التمديد وإنما ميثاقية الجلسة الحكومية، في غياب مكون أساسي فيها سعى إلى تبرير تصعيده بأنه لا يتوقف عند مسألة التمديد، على أهميتها، لكنه يهدف إلى رفع سقف النقاش إلى المسألة الجوهرية التي تقلق "التيار"، والكامنة في السؤال الكبير في ظل استمرار الشغور الرئاسي لعامه الثالث: أين المسيحيون ودورهم من النظام والشراكة الوطنية؟
بهذا السؤال تختزل أوساط سياسية قريبة من "التيار"، المعركة التي يخوضها البرتقاليون اليوم تحت عنوان الشراكة.
وتطرح الأوساط في هذا المجال الدوافع التي تقف وراء القلق المسيحي، وفي مقدمها مسألة رئاسة الجمهورية التي تعترف القوى السياسية المحلية بعجزها عن بتها داخليا وترقبها لكلمة سر إيرانية - سعودية، في حين تغيب الكلمة المسيحية عن القرار الذي يتعلق بالتمثيل الأول والأرفع للطائفة.
تنتقل الأوساط إلى الوضع الحكومي الذي لا ترى أنه يأخذ في الاعتبار المكوّن المسيحي، مشيرة إلى أن الجلسة الأخيرة افتقدت إلى تمثيل ثلاثة مكونات هم حزب الكتائب و"التيار الوطني الحر" وحزب الطاشناق، ومع ذلك، إنعقدت الجلسة واتخذت قرارات.
ومن الحكومة تنتقل الأوساط في تعدادها للتجاوزات الحاصلة في حق التمثيل المسيحي في الإدارة والقضاء والأمن والعسكر، لتخلص الى القول إن المنظومة الحاكمة اليوم "لا تعنينا". حتى التفاهم النفطي الذي بدا لوهلة أولى أنه يحمل بذور تفاهم ضمني أو صفقة، تقول الأوساط انه سقط.
يشعر العونيون اليوم بأنهم وحيدون على الساحة السياسية، ومستهدفون ليس فقط نتيجة معركتهم لإيصال زعيمهم العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، وإنما بفعل التفاهمات التي نسجوها ويدفعون أثمانها الآن، إن على صعيد التفاهم مع "حزب الله"، أو إعلان النيات، أو ما يعرف بإعلان معراب مع "القوات اللبنانية" او الحوار الجدي الحاصل مع "تيار المستقبل"، والذي لا تزال ترى فيه الاوساط جدية وجدوى وأملا، بعدما قطع أشواطا كبيرة على طريق التقارب بين الرئيس سعد الحريري والعماد عون.
وتستدرك الأوساط بقولها "لو لم يكن هذا الحوار ينطوي على نيات جدية، هل كان للنائب سليمان فرنجية أن يعلن من عين التينة، وعقب الاعلان عن التفاهم النفطي وربطه بتفاهم على الرئاسة أيضا برعاية ومباركة حريرية، انه ثابت في ترشحه وانه لن يتراجع عنه؟ ومعلوم أن الأوساط العونية لم تقرأ في مواقف الرئيس نبيه بري أي قبول بالسير بعون مرشحا رئاسيا.
وعليه، يدرك العونيون أن الكل منشغل في خوض معركته، ولا سيما "حزب الله"، المنهمك في رأيهم نتيجة انخراطه في الحرب في سوريا، والباحث اليوم عن "هبوط آمن" يستعيد معه أنفاسه. وبالنسبة إليهم، لا يخشون عدم صدق الحزب في ترشيحه للعماد عون، لأن السؤال بالنسبة اليهم ليس إذا كان الحزب يريد عون رئيسا أو لا، بل هل يريد الحزب رئيسا؟
لم يحسم بعد العونيون مسألة مشاركة وزيريهم في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء، كما أنهم لم يحسموا مسألة تقديم الطعون في القرارات الصادرة عن الجلسة الاخيرة، لكنهم حسموا خيارهم بالذهاب الى الحوار والبحث في الميثاقية للقول إنهم منفتحون على تلقف أي إشارات إيجابية وجدية تحصن التمثيل المسيحي وتجيب عن السؤال الأساسي والجوهري في شأن الشراكة في الوطن وفي النظام.

 سابين عويس