بعض الأصدقاء كتب وعلق يقول بأننا نحلم وأننا طوباويين ... وبعضهم كتب كالعادة ناعيًا لبنان واللبنانيين والأمل والحلم... وبعضهم تهجم على بعض رموزنا الكبيرة بحجة أنه يتكلم فقط من دون فعل... ولعل هؤلاء يريدوننا أن نحمل السلاح مثلًا !!!!
إلى هؤلاء الأصدقاء والصديقات:
ليس الأمر يا أصدقائي كما تتوهمون ... نحن نعرف أن الحكام جلدهم من التماسيح ... وأن لا حياة لمن تنادي ...
وأن الفساد بلغ مرحلة مخيفة فيها مليارات الدولارات والفاسدون مستعدين للقتل دفاعًا عن مصالحهم وامتيازاتهم...
ونحن نعلم أن التعطيل وشل الحياة في البلاد قرار خارجي تنفذه قوى محلية تملك المال والسلاح والسلطة وتسيطر على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية... ونحن نعلم أن كذا وكذا... كله كتبناه منذ سنوات وراكمناه معرفة وسياسات لم تمنعنا من المشاركة في كل حراك مدني مهما كان صغيرًا وبسيطًا... 
ذلك أن رهاننا هو في مكان آخر. رهاننا هو على إبقاء الحلم والأمل مشتعلًا دائمًا أمام أولادنا. الحلم الذي استشهد من استشهد من شباب وشابات لبنان على الضفتين في سبيله. 
نحن ندرك أن الحراك الشعبي، حتى ولو ضم مليون متظاهر، لن يؤثر ولن يغير ونحن عشنا وشاركنا في حركة 14 آذار 2005 وما تلاها، وفي مظاهرة 29 آب 2015 وما قبلها وبعدها، وفي التحركات النقابية من أجل سلسلة الرتب والرواتب ، وشاركنا في تاسيس عشرات المبادرات والتجمعات الحوارية والمدنية وخصوصًا تلك العاملة من أجل دولة مدنية، ونحن نعرف مصائر التحركات الشعبية في بلد يحكمه السلاح والفساد والطائفية . ولكننا نعتقد بضرورة بلورة فكرة وطنية جديدة محددة ينبني عليها عمل متواصل يتراكم نحو بناء المجتمع المدني الحقيقي. ولذلك طرحنا تحركًا جديدًا فاعلًا يؤسس لمبادرات مدنية لاحقة.
إن كل واحد من الذين أسسوا لقاء لبنان الإنسان ودعوا إلى مظاهرة الدستور يحمل تجربة نضالية تمتد لأكثر من 40 سنة ... وكلنا اشتغلنا في قضايا كبرى، وفي أحزاب ومنظمات وسياسات مدنية وديمقراطية واجتماعية...
منذ العام 1992 ونحن ندعو إلى تطبيق الطائف والدستور وبناء الدولة المدنية. وكلنا نعرف تفاصيل الفساد وتفاصيل وضع اليد على البلاد وتفاصيل الاغتيالات التي طالت أغلى شباب الوطن...
نحن عملنا منذ 1992 وما زلنا نعمل على تحقيق مصالحة وطنية حقيقية وسلم أهلي حقيقي وعلى الاستفادة من دروس وتجارب الحروب الأهلية التي مرت بنا ومررنا بها: الحروب بين المسلمين والمسيحيين والحروب في داخل كل طائفة ومذهب وجماعة.
نحن نعمل على ضرب الثقافة السياسية السائدة وشعاراتها التافهة ومضمراتها الساقطة، وعلى تنقية الوعي الشعبي من الخزعبلات ودعوة الرأي العام إلى الاشتراك في بلورة ثقافة سياسية جديدة، وطنية وديمقراطية ودستورية هي أساس المجتمع المدني كما نتصوره.
ونحن نعتقد أننا وصلنا إلى نقطة استطعنا فيها نقل النقاش السياسي إلى مكانه الصحيح: الدستور... وهذا من أهم ما أنجزناه بالأمس.
نحن نعتقد أن النقاش الحقيقي الذي يحشر كل الأطراف في الزاوية (خصوصًا جماعة التعطيل والميثاقية الكاذبة وأدعياء الدفاع عن المسيحيين) هو في المسألة الدستورية التي طرحناها والتي ينبغي أن تتراكم خطواتها عبر فتح مناقشة علنية إعلاميًا (إشراك الصحافة والتلفزة والسياسيين وهذا نجحنا فيه) وشعبيًا (تحويل تحرك الثلثاء إلى هايدبارك أسبوعي في حديقة سمير قصير، بيانات وتوزيع الدستور جماهيريًا، موقع إلكتروني، تشبيك مع منظمات المجتمع المدني والبلديات والجمعيات الأهلية...إلخ.)
إن النزول إلى الشارع حاملين الدستور اللبناني ونحن نوزعه على الناس، يعني أننا نريد تعميم ثقافة الاحتكام إلى نصوص الكتاب الذي يجمع ين اللبنانيين ويحكم خلافاتهم. التذكير بالدستور هو فتح طريق أمام تراكم ديمقراطي لبناء الوطنية الدستورية اللبنانية كمجال مدني وحيد ممكن لاجتراح حلول للمعضلة اللبنانية المزمنة. ولا تنسوا أن المرحلة المضيئة في حركات التحرر والاستقلال الوطني في العالم الإسلامي والعربي كانت مرحلة الثورات الدستورية في إيران 1906 وفي تركيا 1908 وفي مصر 1919 وفي العراق 1920 وفي سوريا ولبنان خلال الانتداب.
نحن نطرح مجدداً على المواطن مناقشة علنية للتذكير بهذه الفكرة البسيطة، وهي أنّ الدستور موضوع للتسهيل لا للتعطيل. وإنكفاء التعطيل لا يمرّ بإيران أو بالسعودية، ولا بمعركة حلب أو الانتخابات الأميركية. هذه الذرائع كلها واهية. يزول التعطيل بتفعيل قراءة رشيدة وايجابية للدستور. إنّ التعطيل مردّه أساساً الى انحرافات دستورية تتجاهل النصوص الواضحة. والمهم هو إقناع الرأي العام اللبناني بالعودة الى الدستور الذي هو القانون الأساسي الذي يرعى خلافاتنا، والخلافات هي أصلاً من طبيعة أي نظام ديموقراطي.
هذه المبادرة سنتابعها في الأسابيع المقبلة ببعض الأفكار العملية لإزالة التعطيل، وجميعها تحتاج الى العودة الى الفهم الدستوري السليم، فلا يُجتهد في موضع النص ولا يكبّل بقراءات تعطيلية وابتكارات لا فائدة منها سوى التسويف والفراغ . في هذا الفصل الأول من إعادة النظر الى بديهيات دستورنا ، ندعو الرأي العام، ونوّابَنا، الى قراءة رشيدة للدستور اللبناني، وإحيائه بالعمل به.