يحق للبنانيين ولابناء الامام السيد موسى الصدر، وللشيعة اللبنانيين على وجه الخصوص، ان يصلوا الى ما يمكن ان يشرح كيف بقيت قضية الامام الصدر معلقة طيلة 38 عاما من دون ان تصل الى نتيجة حاسمة. ليس المقصود هو ان نصل كيفما كان الى اغلاق الملف، لكن بعد 38 عاما يجب ان يكون هناك مسؤوليات يتحملها احد ما بسبب التقصير في هذا الشأن الوطني، المتصل بحركة سياسية لبنانية حملت قضية الصدر ونجحت باسم هذه القضية وما تتضمنه من قيم انسانية وسياسية، بأن تتحول الى اقوى تنظيم سياسي لبناني لعقود. واوصلت ممثليها الى السلطة في كافة فروعها، وبنت علاقات اقليمية ودولية لا يستهان بها.
ولم تكن حركة امل، ولا المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، مقصرين في المطالبة وفي اعلاء الصوت، ولم يكن الرئيس الليبي السابق، المتهم بجريمة الاخفاء، مقصرا بعدم التعاون لكشف تفاصيل ما جرى. لكن ثمة مسؤوليات يجب ان يتحملها من استثمر في هذه القضية بشكل مباشر او غير مباشر. مسؤوليات يجب الا تبقى مغيبة او غائمة. فلا يمكن لدولتين استثمرتا حتى الثمالة في القوة الشيعية داخل لبنان، الا تكونا معنيتين بكشف الحقيقة والضغط من اجل ازالة اللثام عن وجه هذه القضية، هما دولتا سورية وايران. اذ كيف يمكن للمراقب ان يقتنع، اذا ما سلمنا باهتمام الدولتين بشؤون الشيعة اللبنانيين ولبنان عموما، على ما يؤكد الخطاب السياسي للثنائية الشيعية منذ عقود، كيف يمكن ان تعجزا عن حلّ هذه القضية بكشف ملابساتها وان تبنيا على مترتباتها المقتضى السياسي والقانوني؟
ليس غاية ما ورد، لا سمح الله، اتهام النظام السوري او القيادة الايرانية بالتورط في التغييب او التقصير او التواطؤ... لا سمح الله طبعا (مع ابتسامة صفراء عريضة). علما ان الثورة الايرانية كان انتصارها بعد تغييب الصدر بنحو 7 اشهر. لكن غاية ما ورد القول ان ثمة ما جعل هاتين الدولتين اللتين كانتا على علاقة جيدة مع النظام الليبي والتحالفية في احيان كثيرة ان تتصرف كما تصرفتا. فلم تكن قضية كقضية الصدر تستحق ان تكون سببا من اسباب القطيعة بين هاتين الدولتين مع النظام الليبي. ولم تشكل حتى مجال اهتمام حقيقي يعتّدُ به، الا في سياق الاستثمار السياسي وفي المناسبات وحيث تدعو الحاجة السياسية والاعلامية الى نوع من الخطاب الاعلامي والشعبوي. بهذا المعنى استخدم حزب الله هذه القضية حيث تقتضي حاجته السياسية. لكن لم يصل به الحال الى اعتبارها قضية محورية واجبة بالنسبة لديه كقضية سمير القنطار الاسير اللبناني لدى اسرائيل. تلك التي قام حزب الله من اجله بحرب، او سمها عملية أسر ادت الى حرب 2006.
الدولة اللبنانية التي كان حاملو قضية الامام الصدر موجودون في صلبها منذ العام 1984 ولا يزالون، مطالبة بتحديد ان كان هناك تقصير من قبل اركانها وكيف ومن؟ بل ان المطلوب، ونحن نبدأ في السنة 39 على الغياب، الا تبقى القصائد والشعارات هي السبيل الوحيد لمقاربة هذه القضية، بل مقتضى الأمانة من حامل أمانة قضية الصدر طيلة هذه العقود، ان يقول ما يجب قوله وان يحدد المسؤوليات وأن يوضح لماذا لا يحق للنائب السابق حسن يعقوب ان يختطف نجل القذافي هنيبعل، بل ان يوضح لماذا كان ملاذه الآمن دمشق؟ وماذا فعل اصدقاء حركة امل وحلفاؤها من سورية الى ايران للضغط على ليبيا؟ ولماذا لم يصلوا الى نتيجة؟ اسئلة كثيرة بات بقاؤها من دون اجابات ينطوي على ريبة نربأ بعائلة الامام الصدر الصغيرة والكبيرة ان تبقيها بلا اجابة، او بلا موقف جريء تستحقه قامة كقامة الصدر ويستحقه الناس البسطاء من الذين احبوه او ورثوا حبه من آبائهم واجدادهم.
مرة كنت امام احد قضاة التحقيق. ولأن المجالس بالامانات لا اريد ذكر سبب التحقيق معي ولا اسم القاضي. روى لي التالي: "... قبل سنوات كنت قادما الى "العدلية" كعادتي في صباح كل يوم وكانت الطرقات مغلقة وفيها انتشار امني مكثف حول قصر العدل. وبعد معاناة الوصول التقيت باحد القضاة من الزملاء. فسألته ما السبب وراء هذه الاجراءات الامنية المشددة؟ فقال لي ان هناك محاكمة تجري لمعمر القذافي في قصر العدل (وكان ذلك في زمن حكم القذافي). فسألته ضاحكا: هل هم متخوفون من هروب القذافي من المحكمة؟ فأجاب: بل خائفون من عودة الامام الصدر...". (إبتسامة صفراء مجددا، لكن حزينة هذه المرة)
قضية الامام الصدر يفترض بمن حمل امانتها ان يقول كلاما مقنعا بعد 38 عاما من الغموض وبعد رحيل القذافي الاب وايقاف الابن وبعد كل ما قيل بحق او بسوء. علما ان الامام الصدر سيبقى رمزا لبنانيا وقامة يصعب تكرارها وتستحق كلمة حق. لكنه ليس زمن الحق، بل زمن الرويبضة.