لم تعد تليق بمناسبة 31 آب من كل عام لتكون مساحة للندب والتذكر والوقوف على أطلال ذكرى عظيم من عظماء لبنان فقط، وصار لزاماً على اللبنانيين بشكل عام وعلى الشيعة بالخصوص الإنتقال إلى مرحلة ما بعد الإمام الصدر، وهذا ليس من باب طي صفحة الوفاء للإمام بقدر ما هو تحويل ذكرى الإمام من قضية خطف وتغييب بخلفيتها القانونية والتي يعلم القاصي والداني والقريب والبعيد أن لا إمكانية لرفع الستارة عن تفاصيل مجرياتها وفضح مرتكبيها .
فعشية الذكرى الـ 38 لتغييب الإمام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين لم يعد الحديث عن العودة أو الحياة، أو استشهاد الإمام هو الأساس، فلو عاد اليوم الإمام الصدر فإن هذا الرجل التسعيني ( مولود 1928 ) لن يكون لحضوره الجسدي ذلك الأثر المرجو، مع الأخذ بعين الإعتبار أن قيمة الحضور الحقيقي للعظماء أمثال الإمام الصدر إنما يكون بما زرعه من مفاهيم وقيم ورؤية وطنية وإنسانية، وما الحاجة إلى الحضور الجسدي إلا من أجل إشباع الجانب العاطفي ومشاعر المحبة ليس إلا. 
قد يكون عند القيمين على القضية وفي مقدمتهم الرئيس نبيه بري من المبررات المنطقية والظروف القاهرة تحول دون الإفصاح عن ما لديهم من معلومات ومعطيات تضع حداً نهائياً لهذه المأساة، وهذا حقه، أما حقنا نحن المواطنين أن نسأل عن الأمانة التي تركها الإمام الصدر ومصيرها وإلى الأحوال التي آلت إليها، فإذا كان الجانب "الشخصي" للإمام الصدر هو من وظيفة عائلة الصدر والرئيس نبيه بري حصراً، فإن أمانة الإمام هي ملك لكل اللبنانيين ومن حق الإمام علينا أن نحميها بأشفار العيون .
وحتى لا يبقى الكلام عن "الأمانة" مجرد حكي سريالي بعيدا عن الواقعية، فإن "الأمانة" الكبرى التي تركها الإمام ليست هي حركة أمل ولا هي الطائفة الشيعية وليست هي حقوق الطائفة كما يحاول بعض صغار النفوس أن يفهموها ولا هي "المقاومة" كما يحاول البعض الآخر أن يسخّر قضية الإمام لمصالحه، فمن يعرف الإمام الصدر ومن قرأ بمدرسته واطلع على فكره يعرف تماماً أن "الامانة" هي لبنان، بدولته ومؤسساته وجيشه وقواه الأمنية وحدوده وشعبه واقتصاده وعدالته الإجتماعية وجماله وسيادته وكل ما يتعلق بهذا اللبنان كوطن نهائي لجميع أبنائه .
وعليه فإننا عندما نسأل الرئيس بري الآن عن "أمانة" الإمام الصدر فإننا نسأل عن لبنان الذي نشهد ويشهد على انحداره وما وصل إليه من ترهل لم يشهده منذ قيامه قبل 73 عاما إلى الآن، فلا رئيس للمجمهورية ولا تفعيل للمجلس النيابي وها هي الحكومة قاب قوسين أو أدنى من فرطها بسبب جشع البعض أو حماقة آخر! 
فإذا ما كانت مرحلة الإحتلال الإسرائيلي ودخوله إلى بيروت كانت من أخطر المراحل التي مرت على لبنان إلا أن تلك المرحلة وبالرغم من فداحتها حافظت على الهيكلية الرسمية للبنان عبر انتخاب رئيس جمهورية ولو بالأسلوب الإحتلالي، وبعدها شهدنا مرحلة الإحتلال السوري الذي هو الآخر لم يمس بشكل مباشر بالمؤسسات الرسمية وحافظ على استمرارها،وكذلك كانت الحال طيلة مرحلة الحرب الأهلية .
وإذا كان الرئيس بري قد قاوم الإحتلالين بما تيسر له من أساليب وبما اقتضته المصلحة اللبنانية الكبرى وساهم بشكل كبير بالمحافظة على المؤسسات الرسمية وهذا ما يشهد له الخصم قبل الصديق، فإننا اليوم وتحت قبضة الوصاية الإيرانية نشهد كل هذا التدهور للأسس الوطنية بما لا يبشر بالخير. 
فإننا الآن نطالب الرئيس بري بوقفة تاريخية، ولا يجوز له الإستمرار بموقف المشاهدة وهو أكثر من يعرف أن البلد على شفير الهاوية، مما يعني أن أمانة الإمام الصدر الآن أكثر ما تحتاج إليه، وكلنا أمل بأن الرئيس بري لن يسمح أن يكتب التاريخ بأن لبنان قد انهار أو انتهى بعد 38 سنة من اختطاف الإمام الصدر فيما بري كان حاضراً يترقب، فقد علّمنا الإمام الصدر أن حفظ الأمانة يتطلب الوقوف بوجه أي خطر على لبنان حتى وإن كان إيرانياً .