لا يزال العماد ميشال عون مقتنعاً بأن الرئيس سعد الحريري قد يتبنّى ترشيحه لرئاسة الجمهوريّة بعدما وصل ترشيح الأخير للنائب سليمان فرنجية إلى طريق شبه مسدودة. واقتناعه مبني على تمسّك "حزب الله" حليفه به مرشّحاً رئاسيّاً رسميّاً وحيداً، كما على وجود مؤيّدين له داخل "المستقبل" مثل الوزير نهاد المشنوق ونادر الحريري والدكتور غطاس خوري. ومبني أيضاً الإقتناع نفسه على ترشيح عدوّه اللدود سابقاً الدكتور سمير جعجع "زعيم" "القوات" له للرئاسة الأولى بعد التفاهم الذي نشأ بينهما، وعلى سعيه مع الحريري حليفه لدفعه إلى تأييده.
هل اقتناع عون في محلّه؟
المعطيات المتوافرة تشير إلى أن فيه تمنّيات. ومنها أن سياسّيين قريبين من 8 آذار يتعمّدون تزويده بين حين وآخر معلومات تؤكّد أن الحريري يسير نحو تبنّي ترشيحه. علماً أن "حزب الله" مُرشِّحه يتساءل وبإستغراب عن مصادر معلومات هؤلاء وعن أهدافهم. وذلك يعني أن مُعطياته تتناقض مع مُعطياتهم. ومنها أيضاً أن الوضع داخل "تيار المستقبل" ليس سليماً رغم أن الحريري صاحب القرار فيه وذلك لإرتباكه جرّاء غياب الأخير عن البلاد قرابة أربع سنوات، وجرّاء بروز طموحات رئاسيّة حكوميّة عند قياديّين فيه وصراع بارد بينهم. ومنها ثالثاً فشل الحريري قبل نحو سنتين في تسويق عون للرئاسة بسبب رفض "تيّاره" وحلفائه وأبرزهم "القوّات اللبنانيّة". ومنها رابعاً انشقاق قيادات في "المستقبل" جرّاء الاختلاف في السياسة والطموح إلى رئاسة الحكومة وجهر قيادات أخرى لا تزال فيه برفضها ترشيح الحريري لفرنجية. ومنها خامساً أن الحريري ليس سيّد القرار في الشأن الرئاسي. وإعلان ذلك ليس مسّاً به بل هو إقرار بواقع يعرفه اللبنانيّون وأخصامه السياسيّون أو أعداؤه الذين لا يمتلكون بدورهم أن يقرّروا وبأنفسهم مصير الاستحقاق الرئاسي، وأموراً أخرى. فقرار "المستقبل" مرتبط بالسعوديّة مثلما قرار "حزب الله" مرتبط بإيران واستطراداً بالأسد، مع فارق وحيد أن "الحزب" يؤثّر في القرار الإيراني – السوري مثلما كان الحريري الأب الشهيد يؤثّر في القرار السعودي. في حين أن الحريري الإبن عاجز عن ذلك لأسباب عدّة. انطلاقاً من ذلك، يعتقد البعض أن على عون أن يُعيد حساباته، وأن يطلب من حلفائه أموراً عمليّة قبل الإسترسال في أمل الوصول إلى الرئاسة. منها الطلب من "حكيم" "القوّات" جعجع إقناع المسؤولين السعوديّين مباشرة بترئيس عون وليس الحريري، فعلاقته المتنوّعة بهم قويّة ومستمرّة. والتخلّف عن ذلك قد يُثير شكوكاً عونيّة في مستقبل غير بعيد. ومنها ثانياً الطلب من "حزب الله" أن يرعى جدّياً تسوية داخليّة تفتح المؤسّسات بعد إنهاء الشغور الرئاسي، وتمنع الانزلاق نحو حرب مذهبيّة عمل جاهداً لتلافيها. ذلك أن المواقف المتناقضة الإقليميّة – الروسيّة – الدوليّة المتعلّقة بسوريا والمنطقة قد تُضعف قدرته على منع الفوضى العنفيّة في البلاد ولا سيّما إذا نجح أعداء حليفه الإيديولوجي في بدء نشر هذه الفوضى في بلاده. وهو قادر على ذلك. لكنّه مُحجم عن المحاولة لأنّه يريد أن "يكسب الدنيا والآخرة" كما يقال وأن يضمن في الوقت نفسه وضعاً سياسيّاً - وطنيّاً يحقّق أهدافه ويزيد من هزال أخصامه أو أعدائه ومنهم الحريري. وهذا الموقف لا يعني رغبة في تسوية إذ أن شرطها تبادل التنازل حتى وإن كانت موقّتة.
هل يفعل عون ذلك؟ وهل ينجح فيه؟
لا أحد يمتلك جواباً عن ذلك. لكن العارفين كلّهم يعرفون أن الراحل الأمير سعود الفيصل اتّصل هاتفيّاً عند بدء "الطائف" أو الإعداد له بـ"الجنرال" قائلاً: "أتمنّى أن تشارك معنا ولن تعود إلى لبنان إلّا راضياً". رفض متذرّعاً بالخوف من الانفجار الأمني. فكان رد الفيصل: "هل الآن الوضع مستقرّ وغير منفجر؟". وقد ذكّر الوزير الفيصل عون بذلك يوم زار لبنان بمعيّة الملك (الراحل) عبدالله والرئيس الأسد، إذ كانا جالسين قرب بعضهما، بالقول: "راح عليك كتير يا جنرال". ورحيل الفيصل لا يعني أن السياسة الرئاسيّة اللبنانيّة للسعوديّة قد تغيّرت. وعندما يزور عون السعوديّة بدعوة رسميّة ينتظرها من زمان أو فرنجية تكون الرئاسة صارت قريبة من واحد منهما. ولا يعني ذلك قطعاً انتخاب أي منهما. فللـ"حزب" وإيران راعيه وحليفه الإيديولوجي كلمتهما أيضاً.
ملاحظة: حلّت خطأ كلمة "متروكة" في السطر قبل الأخير من العمود الأول في "الموقف" أمس مكان "متورّطة" فاقتضى التصويب.