بدأت استعدادات "الجيش الحر" في شمال سوريا تحتشد تجهيزًا لشن عملية واسعة على مدينة جرابلس السورية لإخراج تنظيم "داعش" منها، ومنع تمدد الوحدات الكردية إلى تلك المنطقة بعد سيطرتها على منبج وإخراج التنظيم منها.

وبحسب تقرير نشره موقع "نون بوست"، اشار الى ان المدينة واقعة بين ثلاث فاعليات يرى كل واحد فيها أهمية قصوى للمدينة لا بد من السيطرة عليها، فمن جانب "داعش" الذي يسيطر على المدينة منذ بداية العام 2014 يرى فيها خاصرة مهمة لمعاقله بريف حلب الشرقي ومعاركه بريف حلب الشمالي، والطرف الآخر الوحدات الكردية التي ترجع أهمية المدينة لنيتها توسيع نطاق إقليمها الكردي غربًا باتجاه عفرين وتتذرع بقتال تنظيم "داعش".

فيما يرى الطرف الثالث وهو تركيا أن السيطرة على مدينة جرابلس من قبل القوات الكردية خطًا أحمر بالنسبة لها، وستبذل ما بوسعها لمنع حدوث هذا، حيث سبق أن سعت إلى إقامة منطقة آمنة بين جرابلس بريف حلب الشرقي وشاطئ البحر المتوسط بحجة منع تكرار مأساة إنسانية وتوفير مكان آمن للمهاجرين في داخل موطنهم، إلا أن التحالف الدولي رفض المقترح وعده غير ضروري.

وبين تلك الفاعليات المتناحرة على جرابلس قد يبدأ صراع مفتوح للسيطرة على المدينة يبذل كل طرف فيه ما بوسعه ويستعين بحلفائه لفرض هيمنته على المدينة، فلمن ستكون الغلبة؟

الأهمية الجغرافية لجرابلس

تقع جرابلس على الضفة الغربية لنهر الفرات وتتبع إداريًا لمحافظة حلب وهي حدودية مع تركيا حيث تلامس المقدمات الجنوبية لمدينة كركميش التاريخية في تركيا، وتبعد عن مدينة حلب 18 كيلومترًا، وهي أول مدينة يدخل عبرها نهر الفرات، ويبلغ سكانها ما يقرب من 26 ألف نسمة بحسب تعداد 2004.

لجرابلس أهمية تاريخية عريقة؛ فماضيها الأثري يتكلم أن لها شأن حيث كانت عاصمة للدولة الحثية في الألف الأول قبل الميلاد وتحتوي على أحياء أثرية ومغارات وآثار وكهوف يجري التنقيب عنها من قبل بعثات أجنبية للكشف عن ماضي هذه المنطقة التي تعود لخمسة آلاف سنة.

وهي آخر بلدة مهمة يسيطر عليها "داعش" على حدود سوريا مع تركيا، وهي تقع على بعد 54 كيلومترًا إلى الشرق من بلدة الراعي الحدودية التي سيطرت عليها المعارضة بعد طرد التنظيم منها. الجدير بالذكر أن جرابلس خرجت من سيطرة النظام السوري في العام 2012 وأصبحت منذ ذلك الوقت ملاذًا آمنًا للنازحين من مختلف المدن السورية من حلب وإدلب وحمص وحماة، ونشطت فيها المؤسسات والمنظمات الإغاثية والطبية، وتم تشييد فيها أربع مخيمات لإيواء العائلات النازحة التي تجاوز عددها 8 آلاف عائلة، سوى أن المدينة وقعت تحت سيطرة تنظيم "داعش" منذ بداية العام 2014.

أطراف متناحرة

بعد سيطرة قوات الوحدات الكردية على منبج، بات الهدف القادم واضحًا بشكل جلي لتحرير جرابلس أيضًا من قبضة تنظيم "داعش"، كون مدينة جرابلس تعتبر صلة الوصل بين الجزيرة السورية وأقصى الشمال السوري حيث مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية، وبعد إعلان الإقليم الكردي باتت جرابلس بالنسبة للأكراد هدفًا استراتيجيًا للمضي في مشروع ربط مدينتي عين العرب وعفرين، كما ويدعي الوحدات الكردية أن جرابلس تتبع لغرب كردستان جغرافيًا وديمغرافيًا وتاريخيًا أيضًا.

أما الوحدات الكردية فهي لا تخفي حلمها وآمالها بإيصال كانتون عين العرب بكانتون عفرين واستكمال الإقليم الكردي المستقل ولا تتردد بالتعاون مع أي جهة كانت في سبيل تحقيق حلمها.

الإقليم المزمع إنشاؤه يضم ممر من كرستان العراق إلى البحر المتوسط، لذا تعتبر جرابلس نقطة مهمة لأنها بوابة عبور للريف الشمالي لحلب ومنها لعفرين وحتى البحر المتوسط، وبالتالي تأمين خطوط ضخ نفط العراق إلى البحر مباشرة.

تعتبر الوحدات الكردية كلاً من جرابلس ومنبج وأعزاز ذات أولوية كبيرة في السيطرة عليها تنبع من موقعها الجغرافي الحساس جدًا لإقليم غرب كردستان كما يسرد المحلل الكردي بيار روباري، إذ يعتبر النقاط الثلاث صلة وصل بين أراضي الإقليم في غرب نهر الفرات وشرقه، كما لا يمكن حماية الإقليم من هجمات تنظيم "داعش" من جهة وتدخل تركيا والنظام السوري من جهة أخرى، ويرى المحلل أن السيطرة على هذه النقاط الثلاثة من شأنه أن يفصل بين تركيا والعالم العربي ويحمي ظهر شمال كردستان.

أما تركيا فترى الوحدات الكردية وتأسيسهم إقليم مستقل في شمال سوريا خطرًا يهدد أمنها القومي، بحكم أن الإقليم سيكون متاخم للحدود التركية، لذا بادرت بإعلان نيتها فرض منطقة آمنة في سوريا تشمل جرابلس، ولكن قوات التحالف الدولي وعلى رأسهم الولايات المتحدة لم تر أي ضرورة لإقامة منطقة آمنة في سوريا على الحدود مع تركيا.

ومع رفض الولايات المتحدة والتحالف الدولي للمنطقة الآمنة بقيت تركيا تخشى على أمنها القومي من إعلان أي حكم ذاتي شمالي سوريا وعدته خطًا أحمر قد يجبرها على التحرك وحدها في فرض هذه المنطقة بمختلف الوسائل المتاحة لديها.

وترى تركيا أن الوحدات الكردية تتخذ من قتال "داعش" ذريعة للتمدد، لذا وفيما يبدو أن الوقت قد آن لمنع سيطرة الوحدات على جرابلس من خلال الفصائل السورية، إذ من المتوقع بحسب مصادر إعلامية أن يشن مقاتلو المعارضة الهجوم في غضون أيام، وحسب ما نقل عن رويترز فإن الفصائل تتجمع في منطقة قرب الحدود داخل تركيا، بانتظار أن تحين لحظة الهجوم.

(نون بوست)