في حديث سابق عند بحث فتوى إمام مدينة مشهد الإيرانية حول حظر الحفلات الموسيقية في تلك المدينة تحدثنا عن الفكر الداعشي الذي ليس حكراً على المجتمعات السنية، بل يوجد بين المجتمعات الشيعية أيضاً وإن بمستوى أخف بكثير منه بين أهل السنة، ولكن المنطق نفس المنطق وهو أن تفرض نمطك في التدين أو فهم الدين على الآخرين الذين يختلفون معك. 
ولكن يبدو أن الفكر الداعشي في الغرب المسيحي أو العلماني سابق على الفكر الداعشي عند المسلمين وهو الذي أنتج الداعش عندنا، ويمكن البحث عن جذور هذا التطرف في قوانين بعض البلدان الأوربية التي تسيئ إلى الآخر المسلم وتحتقره في عقيدته ونمط حياته وليس فيها ضيرا على الآخرين. وعلى سبيل المثال حظر ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية يمكن أن نعتبره تطرفا يُولد التطرف عند المسلمين، حيث إنهم يرون أن الغرب لا يتسع لرموزهم وتقاليدهم ويهدد هويتهم.
وهذه المواجهة التي تضيّق الحياة على المواطن المسلم هي من الأسباب الرئيسية لولادة التطرف بين المسلمين. وبعد سنوات عدة على حظر الحجاب في المدارس الفرنسية بحجة الحفاظ على الحرية! وبالرغم من جميع التداعيات السلبية المترتبة على تلك السياسة السخيفة، صدم المجتمع المسلم في فرنسا بمنع اللباس البحري الإسلامي الذي يُغطي كامل الجسد والرأس على البحر. فإن بلدية مدينة نيس الفرنسية أصدرت الجمعة 19 أغسطس/آب مرسوماً يمنع بموجبه ارتداء البوركيني على شواطئ البلدة لتنضم إلى مدن فرنسية أخرى حظرت ارتداء "البوركيني".
وفرضت السلطات الفرنسية مؤخرا غرامات مالية على 3 فتيات، لارتدائهن "البوركيني" في ولاية "كان" جنوبي فرنسا، في وقت كثفت فيه إجراءات التفتيش في شواطئ المنطقة بعد حظر لباس البحر الإسلامي هناك.
ما ذا يعني هذا القرار؟ هل يهدف هذا القرار تجنيب الشواطئ من التلوث البيئي؟! أو يريد الحدّ من التدين أو التطرف وصرف المسلم من هويته؟ هل إن غرامات مالية ولو كانت باهظة سيردع المسلم من ممارسة هويته؟ أم إن هذا القرار يخلق لدى المسلم الشعور بالاضطهاد وبأن الغرب يريد احتلال قيمه وطمس هويته؟ يبدو أن تلك القرارات ليس لها مفعول ردعي بل إنها تصب الزيت على نيران الهوية والتعصب لدى المسلم الذي يرى هويته مهددة من قبل الغرب.
إن بلدية نيس بحظر اللباس البحري الإسلامي يصطدم ليس بالهوية الإسلامية فحسب، بل حتى يصطدم بالقيم والتقاليد المسيحية التي تقضي بتغطية جسد الراهبات ورؤوسهن، وكان لافتاً أن 8 راهبات فرنسيات قمن بمبادرة احتجاجية لهذا القرار بالسباحة في البحر تضامناً مع النساء المسلمات.
وختاماً ينبغي على أوربا أن يفتش طرقاً لمكافحة الإرهاب لم يكن من بينها منع البوركيني. إن البوركيني لا يولد الإرهاب، بل أن الذي يولد الإرهاب هي سياسة التهميش والإقصاء التي تنتهجها الدول الأوربية تجاه الجاليات المسلمة وسياسة تمويل المدارس السلفية التي تقوم بها حكومات ومنظمات متخلفة في العالم الإسلامي.