يرى الخبراء والمُتابعون الأميركيّون الجدّيون لسياسات بلادهم في الشرق الأوسط في الخرق الروسي الالكتروني للحزب الديموقراطي ولحملة مرشّحته هيلاري كلينتون ردّاً على انتقادها الانتخابات الروسيّة الأخيرة، وهو يعرف أنه سيتلقّى ردّاً مؤذياً على عمله هذا ولذلّك فإنّه يهدّد بضربة مضادة ومؤذية. هذا الخرق يحدث ولا يقتصر على موسكو، ويستهدف عادة المجمّعات العسكريّة – الصناعيّة في أميركا كما في روسيا وغيرها. لكنّه لم يصل إلى التورّط في محاولة التأثير على الانتخابات في الدولتين المذكورتين. ويردّد هؤلاء أن استقالة رئيس الأركان إيفانوف كانت إشارة لرغبة في "الصلح" عند بوتين. لكن رغم ذلك فإن أميركا مصمّمة على الردّ. وسيكون فرض عقوبات جديدة على المجمّع الروسي العسكري – الصناعي واحداً من إجراءات الردّ. وهذا الأمر موضع مناقشة الآن في واشنطن، أي لم يقرّر بعد، لكن المعطيات المتوافرة تشير إلى "حتميّة" الردّ.
ماذا تفعل أميركا إذا ضاعف بوتين التوتّر في أوكرانيا؟ والجواب، كما يُعطيه الخبراء والمُتابعون أنفسهم، هو فرض المزيد من العقوبات على دولته. وسيؤذيه ذلك إذ أن معاناتها من الاقتصاد المتردّي لم تنتهِ. والعقوبات ستُفاقم تردّيه. أمّا استخدام الطيران الحربي الروسي قواعد عسكريّة إيرانيّة لمضاعفة مقدرته على ضرب الذين يقاتلون النظام السوري بضراوة، فقد فاجأ فعليّاً الإدارة الأميركيّة. علماً أنه لن يؤثّر سلباً على العمليات العسكريّة والسياسيّة التي تجري في المنطقة بقيادتها وإشرافها رغم أنّه انطوى على رسالة واضحة إليها. وهي تشير بكثير من التأكيد إلى أن تحالفاً ثابتاً قد قام بين نظام الأسد في سوريا والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة وروسيا الاتحاديّة. وطبعاً، يلفت هؤلاء، شعرت الإدارة وتحديداً رأسها أوباما بخيبة من قرار إيران فتح قواعدها للطيران الحربي الروسي وإنشاء التحالف المذكور. لكن ذلك، على أهمّيته، لن يدفعه إلى تغيير سياسته. فالاعتقاد السائد في واشنطن وخصوصاً عند مؤيّديه أن التدخّل الروسي في سوريا لم ينجز الكثير إذ حفظ رئيسها بشار الأسد وحال دون التخلّص منه حتى الآن على الأقل. ولا يغيّر هذا الاعتقاد نجاحه في استعادة بعض الجغرافيا السوريّة وفي القيام بعمليّات تدمير واسعة جدّاً وشبه شاملة. فالعمل المضاد الأميركي مستمرّ رغم كل ذلك ورغم عدم اعتبار حلفاء واشنطن إيّاه كافياً.
ماذا ستفعل المرشّحة الرئاسيّة هيلاري كلينتون في حال فوزها بالرئاسة؟
يُفيد آخر مواقفها الإعلاميّة، وهو نذير أو بشير بما سيحصل بعد تسلّمها الرئاسة، يُجيب الخبراء والمُتابعون أنفسهم أن أميركا ستُرسل مزيداً من القوّات النظاميّة لمساعدة أصدقائها الأكراد وحلفائهم على نحو مباشر. وإذا احتاج هؤلاء إلى غطاء جوّي حربي فإنّها ستُقدّمه لهم. إذ أنّهم يقومون بعمل جيّد، وبعض عناصرهم بدأ يجسّ أي يعمل لمعرفة أوضاع الموصل ومحيطها تحضيراً لعمل عسكري ضد "داعش" فيها. والاعتقاد السائد أن واشنطن تريد أو بالأحرى تفضّل أن يقوم هؤلاء بتحرير الموصل وليس حكومة العراق بواسطة جيشها و"حشدها الشعبي" الميليشياوي التابع لإيران. علماً أن الكثير يتوقّف على الطريقة التي سيتصرّف بها العراقيّون والإيرانيّون في الأشهر المقبلة. فإذا قرّر الأميركيّون توفير غطاء جوّي من قواعد عسكريّة كردية يكونون قد أظهروا علانية يأسهم من هؤلاء في بغداد وطهران. وهم في أي حال يظنّون أن اصطفاف طهران مع موسكو سببه قرارها إبقاء الأسد ونظامه قائمين في سوريا. ذلك أنها ستخسر كثيراً إذا سقط الاثنان وقد تكون أكبر خسارة زوال سند كبير لـ"حزب الله"، الأمر الذي يضعف دوره داخل سوريا ولبنان والمنطقة.
في اختصار، لا يزال الرئيس أوباما المُشارفة ولايته على الانتهاء متمسّكاً بسياسته السوريّة وسياساته الإقليميّة. وهو مقتنع مع كثيرين من مؤيّديه أن بلاده "تحقّق" تقدّماً. أمّا "الرئيسة" كلينتون، إذا فازت، فإنّها ستضع سياسة تتضمّن تدخّلاً أكبر في سوريا وغيرها وأكثر نشاطاً وقوّة وربّما عنفاً. وستوظّف لتنفيذ سياستها فشل بوتين في اجتذاب المعارضة السوريّة، إذ لا أحد من أطرافها يستطيع الموافقة على بقاء الأسد وجماعته في السلطة.
ماذا عن تركيا وأميركا في ما تبقّى من ولاية أوباما؟