تتابع قيادة حزب الله التطور ات الداخلية والخارجية في ظل المتغيرات الحاصلة إقليمياً، والتي قد تفتح الباب أمام تسويات جديدة للأزمة السورية قد تنعكس ايجاباً على الوضع اللبناني الداخلي.
وقد جاءت مواقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الأخيرة في «احتقال النصر» في بنت جبيل مؤشراً واضحاً على وجود معطيات جديدة داخلياً وخارجياً.
فعلى صعيد الأوضاع في سوريا والمنطقة وجّه السيد نصر الله خطاباً مباشراً للمجموعات الإسلامية المتقاتلة في سوريا والعراق كي تعي مصالحها وإمكانية التضحية بها من قبل الأميركيين والقوى الدولية ودعاها لوقف القتال والانخراط في عملية التسوية.
وأما على الصعيد المحلي، فقد تحدث نصر الله عن إمكانية التوصل إلى حل للأزمة السياسية عبر التفاهم على المواقع الرئاسية الثلاثة والاستعداد للتفاهم مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وقد لاقاه في مواقفه رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بالحديث عن امكانية التسوية في لبنان قبل نهاية العام، وقد أكد بري «ان رئيس تيار المستقبل سعد الحريري هو المرشح الأفضل لرئاسة الحكومة المقبلة وانه مع الحريري ظالماً أو مظلوماً».
اذن نحن أمام سياسات جديدة ينتهجها حزب الله داخلياً وخارجياً لمواكبة الجهود القائمة للوصول إلى حلول سياسية للأزمات في المنطقة دون ان يعني ذلك تراجع الحزب عن دوره وموقعه في الصراع.
فكيف ينظر المسؤولون في حزب الله الى التطورات الداخلية والخارجية؟ وهل سنكون أمام تسويات قريبة للأزمات القائمة؟
أجواء حزب الله
بداية كيف ينظر المسؤولون في حزب الله الى التطورات الجارية داخلياً وخارجياً؟ في لقاءات خاصة مع مسؤولين في حزب الله، يشير هؤلاء إلى وصول الصراع في المنطقة إلى حده الأقصى، وان كل الساحات لا تزال تعاني من ضغوط عسكرية وميدانية (سوريا، اليمن، العراق، البحرين)، وأن هذا التصعيد انعكس سلباً على الوضع اللبناني، ما أدى إلى تجميد البحث عن حلول للأزمات الداخلية.
لكن هؤلاء المسؤولين يتحدثون عن أهمية التطورات في تركيا (قبل وما بعد الانقلاب)، حيث بدأت تظهر إشارات واضحة الى تغيير في الموقف التركي تجاه الأوضاع في سوريا، ما قد يساعد في الوصول إلى «تسوية ما» للأزمة السورية، وهذا يفتح الباب أمام تسويات لبقية الملفات في المنطقة.
ويشير المسؤولون في الحزب إلى انه بعد فشل الانقلاب العسكري ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدأنا نشهد متغيرات سريعة في السياسة التركية، وخصوصاً على صعيد زيادة التعاون الروسي -  التركي والإيراني من أجل البحث عن حلول للأزمة السورية، وان سلسلة اللقاءات والزيارات التي جرت بين مسؤولي الدول الثلاث والتصريحات الصادرة عنهم تؤكد «ان هناك تحركاً جدياً للتوصل إلى حل للأزمة السورية».
ويعتبر هؤلاء ان أي حل سياسي في سوريا سيأخذ بالاعتبار مصالح كل الأطراف الفاعلة في الأزمة، سواء كانت دولية أو إقليمية أو محلية، وان هذا الحل لن يكون لحساب أي طرف بشكل كامل، كما انه لن يكون على حساب أي طرف، بل سيعتمد قاعدة «رابح - رابح»، أي ان يخرج الجميع مرتاحين من الحل المتوقع عندما تتوافر الظروف السياسية، وان كان البحث عن حلول سياسية لا يعني توقف الصراع الميداني، لأن المعارك الميدانية تلعب دوراً مهماً في إعطاء القوة للمفاوض السياسي، وكلما كان أي طرف يمتلك قدرات قوية في الميدان، كان موقفه السياسي في المفاوضات أقوى.
الأوضاع الداخلية
لكن هل تنعكس أجواء التسويات الخارجية على الأوضاع الداخلية في لبنان؟
يعتبر المسؤولون في حزب الله ان أية تطورات إيجابية على صعيد الأزمات في المنطقة لا بد أن تنعكس إيجاباً على صعيد الأوضاع الداخلية، مع انهم يؤكدون ان الموقف السعودي لا يزال هو العنصر الفاعل في الأزمات وأن السعودية تتحمل مسؤولية التصعيد وأنه إذا لم يتغير الموقف السعودي فإنه لن يكون بالإمكان التوصل إلى حلول للأزمات المختلفة.
لكن اللافت في مواقف مسؤولي حزب الله، تلك المسحة الإيجابية التي برزت في الأيام الماضية إن من خلال مواقف الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في احتفال بنت جبيل أو مواقف بقية المسؤولين (الشيخ نعيم قاسم، النائب محمد رعد، السيد ابراهيم أمين السيد)، التي بدأت تتحدث عن أجواء ايجابية في الوضع الداخلي وامكانية التوصل الى حل سياسي قبل نهاية العام الحالي.
وقد أولى المسؤولون في الحزب في الفترة الأخيرة اهتماماً بارزاً بالملفات الداخلية التي تهم مصالح الناس مثل ملف شبكات الانترنت وتلوث نهر الليطاني والنفايات والأوضاع الاقتصادية والمالية والعقوبات الأميركية على حزب الله والإجراءات التي اتخذتها المصارف اللبنانية بحق الحزب.
ورغم انشغال قيادة الحزب بالصراعات في المنطقة واعطائها الأولوية للملفات الساخنة في سوريا والعراق واليمن والبحرين، إضافة إلى الاستمرار في التحضير والاستعداد لمواجهة أي عدوان إسرائيلي على لبنان، فإن الأوضاع الداخلية بدأت تأخذ حيزاً واسعاً من الاهتمام والمتابعات نظراً إلى انعكاس الوضع الداخلي على دور الحزب وموقعه في المنطقة.
وبانتظار تبلور صورة الأوضاع في سوريا والتغيرات الحاصلة إقليمياً ودولياً، يبدو أن الجهود السياسية الداخلية ستستمر للوصول إلى حلول للأزمات الداخلية، وخصوصاً الانتخابات الرئاسية ووضع قانون جديد للانتخابات النيابية وتشكيل الحكومة الجديدة، وتتلاقى جهود حزب الله مع ما يقوم به الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وبقية القوى السياسية من أجل الوصول إلى حلول للأزمات الداخلية القائمة اليوم.
وفي الخلاصة، فإن المتابع لمواقف وإداء مسؤولي حزب الله في الأيام الماضية يلحظ وجود «تغيير ما» في الخطاب والأداء داخلياً وخارجياً، على أمل ان يترجم هذا التغيير من خلال خطوات عملية تساهم في الإسراع في الوصول إلى تسويات للأزمات القائمة.