نافح اليساريون اللبنانيون السيد موسى الصدر وبقوّة التهوين والتخوين وحُمّل أكثر من مرّة الى الخروج من الجنوب تحت ثقل العداوة اليسارية التي لعب الشيوعيون الدور الأبرز في محاربة السيّد ودوره في تحريض المحرومين على حرمانهم من موقع التعاون مع النظام الذي كان في عهدة المارونية السياسية كما اعتقد وآمن الشيوعيون الكافرون بالنظام الطائفي وبدوره المشبوه الى جانب قوى الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية .
هذا الالتباس السياسي بين معارضين أوقعهما في خلاف جذري استمرت صراعاته المتكررة الى ما بعد إخفاء الامام موسى الصدر بين حركته حركة أمل وأحزاب الحركة الوطنية وفي مقدمتهم الشيوعين . اذا عارض السيد النظام الطائفي من وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظر اليسارين فهو طالب بتحسين شروط الشيعة السياسية والاجتماعية في الدولة ورفض الدعوة الى اسقاط الدولة كما كان يحلم الرومانسيون اليساريون في لحظة تاريخية سيطرت عليها الأفكار الثورية الوافدة من التجربة البلشفية والكوبية والجزائرية والتحولات الجذرية في التاريخ العربي في لحظة تاريخية مشابهة أبّان نمو التيّارات القومية وتمكنها من الوصول الى السلطة في أكثر من دولة عربية كما ألهب عبد الناصر قلوب العرب المتحمسة الى انتصار على الغرب وعلى مشروعهم الاستيطاني المتمثل بقيام دولة اسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني والأمّة العربية والاسلامية .
آنذاك تعامل الثوريون مع السيد موسى الصدر كعدو وافد من دولة مرتبطة بالمشروع الامبريالي فاتهموه" بالسافاك " (جهاز المخابرات الايراني الشاهي ) ومن ثم بالعمالة للنظام الطائفي الماروني وشنوا عليه حروبا طاحنة في الاعلام والسياسة ولم يسلم أمنه الشخصي من أذى اليساريين والشيوعيين تحديداً ومع ذلك استطاع السيد أن ينفد الى داخل الساحة السياسية وأن يخلق ظروفاً سياسية معاكسة للظروف القائمة في الوسط اليساري وأن يحسن من شروط قيام حركة المحرومين التي برزت في الحرب الأهلية وتنامت في ظل صراعات كثيفة مع اليساريين والفلسطينيين ورشحها الفراغ الذي أحدثه الاحتلال الاسرائيلي الى تولي مسؤولية مرحلة تاريخية متعددة المفارق أوصلتها الى السلطة من أبوابها الواسعة كي تصيب الهدف الذي رسمه السيد موسى الصدر لها في حين أخفق الجميع من أهل اليسار واليمين من تحقيق أهدافهم المعلنة والغير معلنة وبذلك يكون السيد قد كسب سباق سياسي كان في أسفله وكان الآخرون في وسطه ورغم ذلك فاز وأثبت نضوجه ورجاحة موقفه الذي كان بالنسبة لأعدائه محل شُبهة أكيدة في تورطه بالعمالة الى عميل مجهول .
لقد غيبت عداوة اليسار والشيوعين السيد موسى الصدر وأسهمت في نصب الفخ العربي له كما أنها دفعت بالنظام الليبي الى القيام بجريمة الاختفاء ظناً منهم أنهم في ذلك قد تخلصوا من رجل رفض الحرب الأهلية التي أرادوها معبراً للاشتراكية أو القومية ورفض ابقاء الجنوب ساحة بريد بين الآخرين واسرائيل ورفض تحميل لبنان والجنوب عبء الصراع العربي – الاسرائيلي وطالب بتشكيل استراتيجية عربية لمقاومة اسرائيل والجنوب سيكون في المقدمة أما تحميل الجنوب وحده مسؤولية الصراع مع اسرائيل فهذا حرام وظلم للجنوب والجنوبيين .
هذا الرفض الصدري كان كافياً ليتخذ المتضررون منه قرار التخلص من السيد وهذا ما حصل .