مع تطور الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وتغير اللاعبين في مسرح الصراع، تنكشف حقيقة حزب الله شيئا فشيئا، فمنذ أن كانت دعايته تقوم على مقاومة إسرائيل، أصبح الحزب اليوم قوة احتلال لسوريا. إذ يؤرّخ العام 2016 للذكرى السنوية العاشرة للعدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006، الذي أعلن في نهايته أمين عام حزب الله حسن نصرالله أن مقاتليه حققوا “النصر الإلهي” على إسرائيل، إلى حد وصل ببعض الخبراء الغربيين في شؤون منطقة الشرق الأوسط إلى اعتبار أن الحزب تحول بعد هذه الحرب إلى قوة إقليمية.
لكن مكانة الحزب التي حظي بها يوما في العالمين العربي والإسلامي تآكلت إلى حد بعيد بحلول العام 2016. وفي هذا السياق قال المحللان السياسيان اللبنانيان مكرم رباح ولقمان سليم إن حزب الله بين 2006 و2016 لم يتغير في الجوهر كمنظومة أمنية تابعة للحرس الثوري الإيراني، لكن ما تغير أن تورطه في الساحة السورية أدى إلى “سقوط القناع” عنه بعدما راهن الكثيرون وخصوصا في الداخل اللبناني على تحوله إلى حزب سياسي لبناني.

ويتفق المحللان على أن الأزمة السورية وانخراط الحزب فيها كانت نقطة الفصل في هذا المجال، بل هي التي ستحدد مستقبله السياسي والأمني والذي لا يبدو أنه يتجه الى انتصار المحور الإقليمي الذي ينتمي إليه الحزب.


الحزب لا يحارب إسرائيل

يرى مكرم رباح، الكاتب والباحث السياسي، أن هناك قضايا داخلية وخارجية أثرت على صورة الحزب. وأضاف رباح، المرشح لنيل شهادة الدكتوراه من قسم التاريخ بجامعة جورج تاون الأميركية، أن “هناك قضايا داخلية أثرت سلبا على صورة حزب الله مثل انقلاب 7 مايو 2008، في إشارة إلى اجتياح حزب الله لمدينة بيروت عسكريا حيث احتل المراكز الحزبية لخصومه السياسيين وعلى رأسهم تيار المستقبل واحتلال شوارع العاصمة والتعدي على المدنيين”، وأردف “لم تكن هناك مقاومة عسكرية فعلية بوجه الحزب، وكانوا بكل بساطة يقومون بحماية دويلتهم الأمنية".

بانخراط حزب الله في سوريا قضى على كل فرصة للثقة به للعودة إلى الانخراط في السياسة اللبنانية
واعتبر أنه نتيجة لذلك بدأ “حزب الله يفقد الشرعية الوطنية حيث أن البيئة الحاضنة اللبنانية التي كانت مستعدة لتأوي النازحين في حال تعرض الجنوب لهجوم إسرائيلي، هي في الوقت الحالي غير موجودة وهذا أمر تعيه قيادة حزب الله”، غير أنه شدد على أن من أهم “المفاصل في تاريخ حزب الله كانت الحرب السورية أو الصراع السوري الذي حول حزب الله من منظومة مقاومة للعدو الصهيوني أو إسرائيل إلى ميليشيا تشارك في محاولة إنقاذ حليف إيران في المنطقة” في إشارة إلى النظام السوري.

وأضاف رباح “لا يمكن لحزب الله ارسال مقاتلين للموت إلى ما لا نهاية في سوريا، وتحوله إلى منظمة تقوم بالمشاركة في الصراع الروسي الإيراني في المنطقة، كما أن جثث قتلاه العائدة من سوريا إلى الجنوب ستؤثر في البنية الاجتماعية للطائفة الشيعية وبالتحديد مناصري حزب الله لان النزيف الداخلي سواء بالنسبة إلى الجرحى أو القتلى ليس قليلا”.

وبحسب الباحث السياسي فإن سوريا بطبيعتها مستنقع وهي منسابة لأي ميليشيا وأي تنظيم عسكري غير سوري يقاتل ضمن سوريا، ووصف الحزب بأنه “قوة احتلال” لأنه يقاتل خارج أرضه، وقيادة حزب الله بالتحديد ومنذ بداية الصراع تردد أنها غير معنية بالحدود اللبنانية وأن مقاتلي الحزب سيقاتلون ويتواجدون حيث يطلب منهم ذلك. ويتابع رباح أن هذا الأمر يرفضه الشعب اللبناني، “وأعتقد أن الشيعة بدأوا يتساءلون لماذا نقاتل دفاعا عن بشار الأسد ونظامه”، معتبرا أن الحاضنة الشعبية الشيعية للحزب تزعزعت لأكثر من سبب.

وفي السياق ذاته، يرى رباح أيضا أن “حزب الله” فقد قدرة “توازن الردع” مع إسرائيل التي لطالما تغنّى بها “حيث أن الصواريخ التي يملكها لن تنفع لا ضد إسرائيل ولا سوريا وذلك بعد أن ذهب بملء إرادته إلى سوريا وبالتالي استدرج إلى حرب إقليمية أضعفته”. وأضاف رباح سببا آخر لفقدان قدرة الردع عند الحزب وهو أن “هناك أمرا يقيد حزب الله، وهو أنه طالما ينتمي إلى محور تكون فيه روسيا حليفته فإنه سيكون غير قادر على بدء أي حرب ضد إسرائيل”.


مكرم رباح: حزب الله قوة احتلال لأنه يقاتل خارجا وقيادة الحزب تؤكد أن الحدود لا تعنيها
وأشار إلى أن الحزب فقد صورته ومكانته في العالم العربي خصوصا أنه “في مرحلة من المراحل حظي بمكانة التيار الناصري بمعنى العداء لإسرائيل (الذي زاد من شعبية الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر) ولم يكن يلجأ لاستنهاض العداية السنية الشيعية. لكن محاولة حزب الله التعرض لسيادة بعض الدول إن كانت في اليمن أو البحرين خلقت نوعا من العداء والفتن وخلقت نوعا من الغضب السني والمسلم ضده، مع تبعيته لإيران خصوصا مع القرار السعودي الواضح بالتصدي لكل محاولة لإضعاف حلفائها في المنطقة من لبنان إلى سوريا والبحرين واليمن”.

وحول ماهية التغيير الذي طرأ بين 2006 و2016 على حزب الله، رأى رباح أن “الحزب كان واحدا في كل الأوقات، وهو منظومة تتبع الحرس الثوري الإيراني. وكنا نحن كلبنانيين نطمح لأن يقوم حزب الله بفصل لبنان عن مخططاته الإقليمية وهذا لم يحصل. لذا فإن حزب الله لم يتغير بل ما تغير هو نظرة الناس إليه واكتشافه على حقيقته بعدما صارت مواقفه على المحك في المنطقة”.


ولاء لطهران

من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي لقمان سليم، إن هناك “مرحلتين مهمتين تطبعان مسيرة حزب الله في العقد الأخير” موضحا أن “الأولى تبدأ من عام 2006 وما تلاه وكانت مرحلة مد حيث أمكن لحزب الله أن يتوسل بالحرب التي خاضها على حساب اللبنانيين (حرب يوليو 2006) تلميع صورته محليا وعربيا وإسلاميا”.

وأضاف سليم أن “هذه المرحلة بدأت تنتهي منذ قيام الحلف الثنائي الإيراني السوري والذي كان حزب الله شريكا فيه، وذلك في أعقاب الثورة السورية عام 2011. ومنذ ذلك العام تغير الميدان بالكامل”. وقال لقمان سليم “إننا لا نعرف ماذا تغير في حزب الله، يجب أن نسأل ماذا تغير على رقعة انتشار حزب الله عسكريا”. وأوضح أن “حزب الله اعتاد أن يتوجه جنوبا نحو الحرب مع إسرائيل بكل مجهوده الحربي والإعلامي، والآن صار يتوجه إلى شمال سوريا. هذا التغير في جغرافية المعركة يمكنه أن يدلنا على المستقبل الذي ينتظر حزب الله”.

وأشار إلى أن “مصير حزب الله أصبح متعلقا بالمنحى الذي يتخذه الصراع في سوريا وهو بالتأكيد وإن طال لن يصب في مصلحة الحلف الإيراني الأسدي الذي ينتمي إليه حزب الله، وبالتالي لن ينتهي كما تشتهي إيران بترميم النظام الدكتاتوري السوري”.


لقمان سليم: إذا كان الحزب جاهزا للردع الأمني الآني فهو ليس كذلك على المدى البعيد
وتساءل صخر “لكن لماذا يستمر حزب الله في المعركة في سوريا فيما تتواصل خسائره على المدى القصير والطويل بشكل واضح؟”.

ويعلق سليم أن “الإجابة تردنا إلى السؤال المفتاح هل يملك حزب الله قراره؟ وهل أن صنع القرار يتم في حارة حريك (الضاحية الجنوبية لبيروت) أم في طهران؟”.

وأضاف أن الكثير من المحللين وصانعي السياسات في الغرب “اعتقدوا أن حزب الله سيتخذ المسار الذي تتخذه قوى التحرر الوطني أي أن يميل من العنف إلى الانخراط في العملية السياسية اللبنانية مع الوقت، لكن ما حصل انه عندما أراد الإيراني التدخل في سوريا لحماية حليفه بشار الأسد، رأينا أن إيران أرسلت كتيبتها اللبنانية إلى سوريا” في إشارة إلى الحزب.

وشدد على أنه بانخراط حزب الله في سوريا قضى الحزب على كل فرصة للثقة به للعودة إلى الانخراط في الحياة السياسية اللبنانية، ومهما كانت خطب قيادات حزب الله عالية النبرة، فهذا لن يغير بأن ما يحصل في سوريا هو هزيمة كبرى ليس لحزب الله فحسب بل لكل ما بناه الشيعة من اعتناق للوطنية اللبنانية.

وحول ما إذا كان الحزب مازال يحتفظ بقدرة الردع بوجه أعدائه وتحديدا إسرائيل، لفت سليم إلى أن “قوة الردع لا تقاس بالمدفعية والصواريخ، وبالتأكيد حزب الله مازال منظمة أمنية قوية وربما يملك بأسا أمنيا وعسكريا تقر به غالبية خصومه ومنهم إسرائيل”.

واستدرك قائلا “إذا كان الحزب جاهزا للردع الأمني الآني قصير المدى، فهو ليس كذلك بالنسبة إلى الردع الاستراتيجي طويل المدى”، وأعطى مثالا قائلا “كيف يتصرف حزب الله إزاء التغيير الديموغرافي الراهن في لبنان نتيجة اللجوء السوري حيث جعل من السنة يصلون إلى نحو 2.5 مليون نسمة مقابل نحو مليون شيعي فقط. هذا أمر مواجهته تكون بسياسة طويلة الإمد وليس بالغطرسة الأمنية”.
وخلص لقمان سليم إلى القول إنه “بين 2006 و2016 خلع حزب الله القناع وكشف عن وجهه الحقيقي، فكان بطلا لبنانيا وتحول إلى مرتزق يعتاش ويأتمر بالقرار الإيراني”.

وأدى أسر حزب الله لثلاثة جنود إسرائيليين من منطقة حدودية جنوبية تقع خارج الحدود الدولية اللبنانية في 12 يوليو 2006 إلى شن إسرائيل حربا انتقامية على لبنان برا وبحرا وجوا استمرت لـ33 يوما لتنتهي في أواسط أغسطس 2006 إثر صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1701 الذي أوقف “الأعمال العدائية” وعزز القوات الدولية لحفظ السلام في جنوب لبنان (يونيفيل)، وذلك بعد تهجير نحو مليون لبناني، ومقتل أكثر من 1000 وجرح نحو 3000 آخرين غالبيتهم العظمى من المدنيين.


كان بطلا لبنانيا وتحول إلى مرتزق يعتاش ويأتمر بالقرار الإيراني
وحاليا، يستقبل لبنان أكثر من 1.1 مليون لاجئ سوري مسجلين رسميا لدى المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، بينما تشير التقديرات الحكومية إلى أن العدد يتجاوز 1.5 مليون لاجئ.

التدخل الذي قام به الحزب في سوريا يحوّل عمل أجهزة الحزب برمتها إلى البحث في الانتشار والكر والفر لعناصره المسلحة في سوريا عوض أن يكون الحزب منتشرا بقوة على الحدود الجنوبية مع فلسطين كما كان يدعي.

ويكشف هذا التحول مدى الارتباط الوثيق والحياتي للحزب مع المحور السوري العراقي الإيراني، أي أن الخط الممتد من لبنان لا يتوقف عند الحدود العربية وإنما يتجاوزها لتلقي الأوامر من طهران. وهذه الحقيقة لا تتوقف فقط عند الكشف عن طبيعة الطائفية وما تؤدي إليه، بل إن الخطة الجيوسياسية الإيرانية تقوم على غلق كل المنافذ أمام الامتداد الجغرافي والسياسي العربي بين الشام وشبه الجزيرة العربية، وهذا ما يؤسس لحالة من العزلة على المدى البعيد، ولا تخدم هذه الوضعية إلا إسرائيل بشكل أو بآخر.

وكانت الإستراتيجية الدعائية لحزب الله تقوم على الحرب “المقدسة” ضد إسرائيل بمنطق طائفي وتختزل المعركة مع إسرائيل من أجل تحرير فلسطين في شعارات طائفية وكأن المعركة المطروحة ليست معركة العرب لتحرير أرضهم بقدر ما هي معركة خاصة بالشيعة. وهذه قصة مختلقة لا تمت إلى الواقع بصلة، بل إن إيران من وراء ذلك تريد صنع مجد على حساب العرب كي تجد المبررات التاريخية لوطء أرض العرب بعد أن كانت قد فشلت في ذلك باصطناع موجات طائفية في جنوب العراق أو هي بصدد ذلك الفشل في سوريا بعد انكشاف أمرها وأمر حلفائها.

إزاء هذا الواقع الجديد الذي رسمه حزب الله تنفيذا للمخططات الإيرانية التي تستهدف الوحدة المجتمعية للمنطقة، فإن ردود الأفعال العربية كانت في مستوى التهديد الإيراني عبر حزب الله أو على الأقل فهمت تلك القوى التي تقاوم الهيمنة الإيرانية أي دور يقوم به الحزب بدقة.

فبغض النظر عن اعتبار حزب الله حزبا إرهابيا بقرار من الجامعة العربية، فإن عملية محاصرة لنفوذ هذا الحزب وتحركاته في المنطقة تقوم بها أجهزة البعض من الدول العربية من بينها المملكة العربية السعودية وذلك بهدف عدم تمكين عناصر الحزب من اختراق منظومات مجتمعية وتحويلها إلى نقاط ارتكاز طائفية لتنفيذ أجندة الإرباك داخل تلك المجتمعات. ولا يفوت الباحثين أن هذا التخطيط كان قد نفذ في اليمن وذلك عبر تدريب وإلحاق الحوثيين بصف منفذي أجندة إيران وقد تحول بذلك اليمن إلى ساحة حرب لا تعرف الاستقرار منذ سنوات.

لا يمكن فصل وجود أتباع لإيران في أي مكان عن وجود تنظيمات متطرفة وإرهابية مقابلة، كالقاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية. ويفسر مراقبون أن هذا التلازم الذي يصاحب وجود أتباع إيران (سواء حزب الله أو الحوثيون أو الميليشيات الطائفية في العراق وغيرها) بأن الخطة الإيرانية دائما تقوم على ثنائية التقسيم الطائفي ثم الحرب الطائفية، وبذلك فإنها تربح المجال الترابي للطائفة الشيعية بهدف تقسيم الوحدة الترابية للدول العربية التي تتدخل فيها، والأمر واضح في اليمن وسوريا ولبنان وخاصة العراق.

صحيفة العرب