الإسلاميّون العرب الحلفاء للرئيس رجب طيب أردوغان مُقتنعون بأنّه نجح في إفشال الإنقلاب لأنّ غالبيّة الشعب التركي معه، ولأنّ الأحزاب المعارضة له نزلت إلى الشارع استجابة لدعوته قبل عودته من مرمريس حيث استُهدف إلى اسطنبول رفضاً لحكم العسكر وتمسّكاً بالديموقراطيّة. وهم مُقتنعون أيضاً بأنّه قادر استناداً إلى ذلك على "ترتيب الأمور" في بلاده. فالتطهير الذي بدأه ضد ما سمّاه "الكيان الموازي" سيستمر إلى الآخر، والشعب الذي أنقذه سيستمر في تحرّكه وخصوصاً الذين منهم حرّكتهم المآذن وأحوالهم المعيشية الصعبة في الريف التركي الكبير. كما أن اللاجئين السوريّين، ويقارب عددهم مليونين وثمانمائة ألف، قدّروا لأردوغان وقوفه معهم ضد الأسد ونظامه رغم عدم تطابق توقّعاتهم منه مع المساعدة العمليّة التي قدّمها لكل الذين يقاتلون قوات الأسد. ولذلك كانوا السبّاقين في النزول إلى الشوارع استجابة لدعوته وملأوها وانبطح بعضهم أمام دبّاباتها، وأربكوا الإنقلابيّين ثم لحقت بهم الجماهير التركيّة. وهم مُقتنعون ثالثاً بأنّ نجاحه في إعادة الإتصال مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين قبل المحاولة الإنقلابيّة الفاشلة بوقت قصير، ثم التقاءه به أمس في بطرسبرغ سيزوّده قوّة تمكّنه من مواجهة ضغوط أميركا والاتحاد الأوروبي عليه الخائفيْن على الديموقراطيّة في تركيا وحقوق الإنسان، والمُرتابيْن من مشروعه الإقليمي الكبير وفي احتمال تعاونه مع موسكو لتنفيذه، والمُعتقديْن أنّه قد يستغل علاقته الجيّدة بإيران الإسلاميّة رغم الاختلاف بين موقفيهما من سوريا، هم مُقتنعون بأنّ كل ذلك سيُعيد ألقه وتوهّجه ودور تركيا وإن على حساب حلفائه "السابقين.

طبعاً يُوضح الإسلاميّون العرب الذين على اتّصال مع أردوغان أنّه "ليس "إخوانيّاً"، وأن "الإخواني" في "حزب العدالة والتنمية" الذي يتزعّم هو الرئيس السابق للجمهوريّة عبدالله غل الذي كان على صلة وتعاون مع "الإخواني" التركي الأول نجم الدين أربكان. ويلفتون إلى تواضعه مع شعبه عبر سرد طريقة تعاطيه معه عند زيارته إيّاه والصلاة معه في المساجد. لكنّهم في الوقت نفسه يشعرون بالالتباس ويطرحون على أنفسهم أسئلة أو تساؤلات لا أجوبة عنها عندهم مثل: هل يمكن أن يتورّط فتح الله غولن في محاولة إنقلابيّة عسكريّة هو الذي عانى طويلاً من العسكر "العلماني"، وهو الإسلامي وإن اختلفت إسلاميّته عن إسلاميّة أردوغان و"الأخوان"؟ ومثل: لماذا أعلن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو أنّه الذي أعطى الأمر بإسقاط الطائرتين الحربيّتين الروسيّتين، ولماذا تبنّى الحكم والإعلام الموالي له في تركيا كلّه رواية خرقهما سيادة البلاد وأيّدا إسقاطهما ثم نسباه إلى عسكريّيْن لغولن؟ ومثل: نحن لسنا مع غولن بل مع أردوغان لكن لماذا إقفال 1500 أو 2000 مدرسة؟ وماذا سيحل بالطلاب؟ وماذا سيكون أثر ذلك على تركيا الناهضة؟ ومثل: بدا أردوغان محضّراً نفسه لتنفيذ تطهير شامل ضد غولن وغيره عندما حصل الإنقلاب. لماذا؟ طبعاً لم يثر أحد من هؤلاء الإسلاميّن علاقة غولن بإسرائيل التي أثاروها غير مرّة قبل المحاولة الفاشلة، ربّما لأن أردوغان يشترك في الاقتناع بها معه.
هل الإسلاميّون العرب مُحقّون في اقتناعهم بأن أردوغان سيخرج سالماً بعد كل ما فعله وسيفعله وخصوصاً في إعادة التموضع الإقليمي والدولي (روسيا وإيران)؟ علماً أن الخروج من حلف شمال الأطلسي ومعاداة أو على الأقل مُخاصمة أميركا مكلفة رغم اقتناع هؤلاء بعكس ذلك جرّاء صدمتهم من مواقفه المواقف المتردّدة للأخيرة حيال سوريا والمنفتحة على إيران؟ وجواب هؤلاء عن هذا السؤال أنّه لن يغامر بترك "الحلف" وبمعاداة واشنطن وسيكتفي ببعض التردّي في العلاقة الذي يزول مع الوقت.
ما رأي المُتابعين الجديّين في واشنطن للأوضاع في المنطقة ومنها تركيا في ذلك كلّه؟
يرجّح هؤلاء أن يكون أردوغان مقتنعاً، بأن عضويته في "الحلف" كما تحسين علاقته بروسيا وإسرائيل هما كل ما يحتاج إليه الآن لفرض سيطرته التامّة على بلاده من دون التعرّض إلى أي تدخّل خارجي. لكنّهم يؤكّدون أن علاقته مع أميركا سيّئة جدّاً، وأن الرئيس أوباما غاضب جداً بسبب اتهامه ووسائل إعلامه إدارته بالضلوع في المحاولة الإنقلابيّة الفاشلة، وأن الأميركيّين مُنزعجون من الديكتاتوريّة التي يجري فرضها حالياً في تركيا. ولا بدّ أن يُؤخّر ذلك إنجاز واشنطن تصوّراً نهائياً وحاسماً للحملة العسكريّة على "داعش" وأمثاله من دون تركيا. هل سيؤثّر ما جرى ويجري في هذه الدولة الإقليميّة المهمّة على الحرب التي استأنفها أردوغان ضد "حزب العمّال الكردستاني"؟
الانتظار هو أفضل جواب.