يتوقّف بقاء الفلسطينيّين في لبنان على الحياد في الحرب المذهبيّة غير العسكريّة حتى الآن الدائرة فيه على تطوّر الحرب العسكريّة الأهليّة – المذهبيّة – الإرهابيّة المُندلعة في سوريا منذ سنوات. فإذا نجحت قوات النظام السوري بدعم بل بإشتراك مباشر من إيران الإسلاميّة وروسيا فلاديمير بوتين في معركة حلب، فإنها قد تفتح معركة ضواحي دمشق المُسمّاة بـ"الغوطة" وذلك من أجل استعادة قراها وبلداتها ومدنها من المنظّمات الإسلاميّة المتشدّدة حتى العنف والتكفير. ونجاحها في تحقيق هذا الهدف سيدفع مقاتلي الأخيرة الباقين على قيد الحياة وخارج الأسر إلى الفرار. والاتّجاه الوحيد الذي يمكنهم سلوكه سيكون الموصل إلى لبنان. علماً أن العبور إليه ليس سهلاً بعد النجاحات التي حقّقتها قوّات الرئيس الأسد و"حزب الله" وغيرها في القلمون السوريّة. لكنّه رغم ذلك يبقى ممكناً. ومن شأن ذلك زيادة التوتّر الذي لم يغب عن الساحة اللبنانيّة يوماً. فالمقاتلون اللاجئون إليه لا بدّ أن يجدوا من يأويهم من اللبنانيّين ومن النازحين السوريّين كما من الفلسطينيّين. وبعد الإيواء والراحة لا بدّ أن يشتعل فتيل الحرب بين هؤلاء و"أعدائهم" اللبنانيّين من جيش و"حزب الله"، ولا يعود في استطاعة أحد البقاء على الحياد لبنانيّاً كان أو سوريّاً أو فلسطينيّاً.
أمّا إذا حصل العكس، أي إذا فشلت سوريا في معركة حلب، أو إذا عادت جبهة الجنوب السوريّة المحاذية للأردن إلى التحرّك، وذلك أمر تجعله محتملاً المعلومات الواردة من عمّان وعواصم أخرى عن قرار جهات عربيّة التصرّف بمعزل عن غرفة العمليّات المشتركة في الأردن بعد اقتناعها بأن الهدوء الذي استمرّ قرابة سنة على هذه الجبهة قد ساهم في تفوّق الأسد على جبهات أخرى، وعن إعدادها نحو 7000 عنصر مقاتل للتحرّك، إذا حصل ذلك وأدّى إلى انتصارات لمُعارضي الأسد وحلفائه، فإن مقاتلي هؤلاء سيجدون أنفسهم مضطرّين إلى الانكفاء إلى لبنان (أي عناصر من "حزب الله" ومن ميليشيات حليفة له). وبعد الراحة والاستقرار في مناطق آمنة لهم فإن التحرّك العسكري سيبدأ سواء بمبادرة منهم أو من أعدائهم. والنتيجة ستكون واحدة: دمار وخراب واستحالة بقاء لبناني أو فلسطيني على الحياد.
إلّا أن تطوّرات الحرب في سوريا ليست العامل الوحيد الذي سيُبقي فلسطينيّي لبنان على الحياد في حروب مسلميه وغيرهم أو الذي سيورّطهم فيها، إذ هناك عامل آخر هو انخراط قسم من الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان وخارجه في الحرب ضدّ الإسلاميّين والتيّارات الإسلاميّة البالغة التشدّد. وتقول مصادر فلسطينية إن القيادي الفلسطيني الفتحاوي السابق محمود دحلان هو واحد من قيادات عدّة سابقة وحاليّة اقنعتها دول عربيّة غنيّة عدّة بعضها خليجي بأن تخوض معها المعركة ضد هؤلاء في المنطقة، ويعني ذلك في الدول العربية التي فيها وجود فلسطيني وفي فلسطين نفسها أو ما تبقّى منها مثل الضفة الغربيّة وقطاع غزّة. والدافع إلى الاقتناع لم يكن فقط الحرص على إعادة الوسطيّة إلى الإسلام وعلى توفير ظروف إقليميّة ودوليّة مناسبة للعودة إلى العمل على تسوية أزمة الشرق الأوسط بمفاوضات تسفر عن قيام دولتين فلسطينيّة وإسرائيليّة، إذ رافقه دعم مالي كبير ودعم تسليحي مماثل وفتح مجالات لهؤلاء القادة كي يتحرّكوا في حريّة في الدول التي تشارك داعميهم الاستراتيجيا نفسها.
وتحرّك القيادي السابق دحلان مستمرّ وبزخم في لبنان وفلسطين ودول الخليج والأردن ومصر. طبعاً، تلفت المصادر الفلسطينيّة نفسها، ليست القضيّة الفلسطينيّة ولا الإسلام الوسطي هما اللّذان يحرّكان وحدهما هذا القيادي وآخرين، فهو في صراع مُحتدم مع حركة "فتح" التي فصلته، ومع محمود عباس زعيمها ورئيس منظّمة التحرير والسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، كما في تنافس معه على كل المواقع الرسميّة والتنظيميّة التي يترأّسها. وداعموه يعرفون ذلك ويستفيدون منه. لكنّها تلفت في الوقت نفسه إلى أمر آخر هو ضرورة عدم الاستهانة بدحلان و"حلفائه" على الساحة الفلسطينيّة حتى الذين منهم لا يزالون رسميّاً على ولائهم لـ"فتح". فمثلاً القوة الفتحاويّة التي دُرّبت على دفعات سبع خارج مخيّم عين الحلوة استعداداً لأي طارئ داخل المخيّم وخارجه استُقدم مدرّبوها من الضفة الغربية، والسلطة في الضفة على علاقة جيّدة مع الدول التي تحارب الإسلاميّين في المنطقة من فلسطينيّين وغير فلسطينيّين عربيّة كانت أم أجنبيّة مثل أميركا. ومن شأن ذلك تسهيل خروج الفلسطينيّين عن الحياد وخصوصاً عندما تتضافر المذهبيّة والمال والسلاح والتدريب والدعم الخارجي.