يعتبر المتابعون والمهتمون بالحرب السورية  أن معركة حلب كانت بمثابة ميزان القوى للمتقاتلين مباشرة ووجهاً لوجه في معارك كرّ وفرّ ربح فيها الثوار السوريون الكرّ وفرّ منها اللبنانيون والايرانيون والعراقيون والأفغانيون بعد أن هرب كعادته ما تبقى من جيش النظام ولم يفلح الطيران الروسي في تهيئة الأرض المحروقة كيّ يدخلون الفاتحون الى حلب من الناحية التي يسيطر عليه المعارضون .
أجج الخطاب الالهي وحمّس النفوس الذاهبة الى حلب كيّ تنتصر هناك قطعاً لوعد قطعه الأمين العام للحزب الذي يبصر بعين الله ولكن صدّ المعارضة السورية للهجمات المتلاحقة وهروب قطعان عراقية وافغانية من قلب المعركة قلب الموازين وجعل النصر الموعود مجرد اضغاث أحلام أو أنه أجلّ على أبعد تقدير ريثما تنضج  ظروفاً أفضل لا منامات تشبه رؤية الأنبياء .
كان من المتوقع أن ينجز المقاومون خطّة تطويق المعارضة السورية وتنظيف حلب من الارهاب الذي لا مكان له في محافظة لا وجود لتنظيم الدولة فيها وهذا ما يؤكد أن الجميع يدّعي قتال داعش ولكن لا أحد يقاتله وهو بعيد كل البعد عن الاستهداف الدولي والروسي والسوري والايراني ويبدو أن الجميع مستفيد من وجود الارهاب الداعشي ويستخدمه بالطريقة التي تنسجم مع مصالحه .
خسر نصرالله السيّد الذي اعتاد على قراءة المشهد العسكري بناءً على معطيات آمنة وعد حلب وانتقل الى ما هو تحت سقف النصر وادعى الصمود الذي يقارب النصر بوجه حفاة سوريين لا يملكون طائرات الروس والنظام وامكانيّات الدعم الايراني المفتوح وقدرات المقاومة وخبرتها وارادتها وعزيمتها وبسالة رجالها الاّ انهم يملكون شيئّا لا يريد أحد الاعتراف به وهو غير متوفر عند كل الوافدين للقتال في سوريا وهو الذي يجعل من شباب الأرياف سدّاً منيعاً بوجه موجات التحرير .
قدّ نختلف مع الثورة والثوّار ومع المعارضة والمعارضين ومع الارهاب والارهابين واختاروا أي تسمية من الأسماء الواردة والغير واردة لنعت الجهات المقاتلة للنظام السوري ولكن ذلك لن يغير شيئًا من حقيقة الواقع أن سورية لن تعود كما كانت دولة الأسد وأسد الدولة ومن لا يقرّ بهذه الحقيقة سيدفع أثمان غالية في معارك قاسية وطويلة جداً والسوريون يملكون قدرات الموت ويتحملون العيش وسط الدمار فهم أموات يوم كانوا أحياءً .طبعاً ثمّة عقل عربي مسيطر على قادة الحرب السورية وهذا العقل لا يعرف الهزيمة ولا يتقبلها ويرفع من القبر اشارة النصر لذا ستبقى خيارات الحرب هي الرائجة وإن كانت خاسرة والجمهور الطائفي والمذهبي سيبقى في  توتره يغذي منطق الحروب ويدفع بها الى الأمام كلما تراخت عجلت الموت .
غداً وبعد غد وفي كل يوم سنسمع أصوات أزيز الرصاص من الشرق والغرب ولن يستفيق النائمون من ثبات الموت الذي يحصد الجميع وهم في غفلة من النصر المهزوم وبذلك نعيد تجاربنا المرّة في الحروب التي خسرناها على مراحل أو في دفعة واحدة منذ قدم التاريخ من فتنة الخلافة الى الحروب العربية – الاسرائيلية  .
كل مستفيد من الحروب سيرشق دعوات السلام بأسهم من نار خبيثة وسيخوّن وسيكفّر دعاة نبذ العنف الذي يعتبرونه أكثر الممرات وصولاً للأهداف إن لم يكن الممر الأوحد بالنسبة لهم . وهذا ما يفضح الولايات المتحدة وربيبتها اسرائيل وأتباعها من أهل الغرب من الذين  يسدون طرق السلام ويفتحون أبواباً للحرب .