قبل الغوص في النقطة الثالثة التي أثارها الصديق الايراني نفسه لتأكيد حتمية انتصار "جمهوريته" الاسلامية في إيران وخارجها والتي تتعلق بالعلاقة السعودية – الأميركية، يتابع المتابعون أنفسهم للأوضاع في المنطقة وتطوراتها كلامهم عن رهانه على روسيا لتحقيق هدفه، فيقولون إن الاوضاع الاقتصادية الروسية التعيسة والانخفاض الكبير في أسعار النفط، فضلاً عن الآثار السلبية والمزعجة فعلياً للعقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا بسبب احتلالها شبه جزيرة القرم الأوكرانية واستمرارها في دعم الأوكرانيين الروس الساعين الى الانفصال، فيقولون إن ذلك كله يدفع القيصر بوتين الى التروّي وعدم التهوّر وخصوصاً في سوريا. وهو معروف في الغرب وخصوصاً في واشنطن بأنه لا يغامر إلا إذا كانت مغامرته محسوبة. والمغامرة المحسوبة قام بها في سوريا بمنع انهيار الأسد ونظامه. واستمراره في مساعدتهما لاستعادة السيطرة على سوريا كلها سيكون المغامرة غير المحسوبة التي ينتظرها رئيس أميركا أوباما لإيقاعه في أفغانستان ثانية لن تكون آثارها إلا أكثر سلبية عليه وعلى شعبه وبلاده من أفغانستان الأولى. كما ستكون الدافع الى وقوع إيران الاسلامية، المستمرة في مغامرة استرجاع سوريا الأسد كلها وترميم مشروعها الاقليمي الذي سار على طريق الفشل، في "أفغانستانها" الأولى.
الى ذلك يلفت متابعون أميركيون إلى رهان بوتين على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وتحديداً على المرشح الجمهوري فيها دونالد ترامب، من أجل استمراره في تنفيذ استراتيجيا العودة الى الشرق الأوسط لاعباً دولياً وحيداً أو على الأقل أولَ بعد الاخفاق الذي لا بد أن يلحقه بها ترامب. ولهذه الغاية امتدح الرئيس الروسي ترامب أكثر من مرة وأطرى مزاياه واحترمه وبادله الأخير المودة والاعجاب نفسيهما، غير منتبه الى أن ضرب العلاقة التاريخية الاستراتيجية بين أميركا وأوروبا ومعها حلف شمال الأطلسي الذي يجسّدها سيعزل بلاده أكثر ويضعها في موقع دفاعي لأول مرة في تاريخها. ويلفت هؤلاء أيضاً الى معلومة تفيد أن أحد الذين يديرون الحملة الانتخابية لترامب كان عمل لمصلحة الرئيس الأوكراني المخلوع حليف روسيا يانوكوفيتش وربما التقى بوتين شخصياً أو مساعدين له.
أما في موضوع علاقة المملكة العربية السعودية وأميركا فإن التباينات وحتى الاختلافات بينهما في السياسة وفي المواقف من قضايا مهمة موجودة ولا ينكرها أحد. لكنها ورغم جدّيتها وخصوصاً منذ بداية ربيع سوريا الذي تحوّل حرباً أهلية وفي أيام الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز وخلفه شقيقه الملك سلمان لا تهدد التحالف الراسخ بين الدولتين. أولاً لأن مصالح أميركا الاستراتيجية تفرض ذلك. وثانياً لأن مصلحة المملكة تقتضي ذلك وخصوصاً في مرحلة الاضطراب الاقليمي الشديد الراهن. وهذا الواقع لن يتغيّر سواء بقيت السعودية على حالها أو تغيّرت وسواء تحسّنت علاقة واشنطن وطهران أو ازدادت تردّياً. ذلك أن الأولى تحتاج إليها والى الدول السنيّة الأخرى لمحاربة الإرهاب الناجم عن التطرّف السنّي الذي يغزو مسلمي العالم السنّة، أي نحو مليار و250 مليون نسمة، لكنها تحتاج في المهمة نفسها الى إيران.
يبقى موضوع العلاقة بين الرياض وطهران. فالايحاءات أنها كانت مقبولة وواعدة أيام عبدالله وأنها صارت سيئة أيام خلفه ليست دقيقة، بل ليست صحيحة، رغم صحة ما أورده من أحداث "صغيرة" الصديق الإيراني نفسه. فالمملكة القلقة من إيران الشاه أخافتها الثورة الاسلامية التي خلعته، وخصوصاً باعتمادها مبدأ تصدير الثورة "القومية" أو "المذهبية"، فدعمت مع غيرها من دول الخليج صدّام حسين العراق في غزوه لها وحربه معها على مدى 8 سنوات. واستمرت العلاقة سلبية عملياً بعد انتهاء الحرب و"اندلاع" الربيع العربي ولا سيما السوري فضلاً عن تطورات العراق التي سبقته.
وتصرفت ايران في الوقت نفسه انطلاقاً من اعتراف بل إيمان بوجود عداء لها مع السعودية. فهي أيضاً لم تقصر في محاولة إيذاء الأخيرة وإضعافها وخصوصاً بعدما اتضحت الأبعاد المذهبية الكامنة للصراع بل الحرب في المنطقة.
في اختصار تريد إيران حواراً مع السعودية قبل تفاهمها مع أميركا اعتقاداً منها أنها تستطيع احتواءها والإفادة منها في تحصيل مكاسب أكثر من واشنطن. والسعودية تعرف ذلك أو تخاف منه ولذلك ترفض الحوار الذي لن يبدأ الا بعد بدء حوار أميركا وإيران ووصوله الى تفاهمات على الأقل مبدئية.