مع الاحترام التام للصديق الإيراني الذي نشرتُ في "الموقف" أمس "نقاطه" التي تجعل انتصار "جمهوريّته" الإسلاميّة حتميّاً في الصراع الدائر في المنطقة وفي العالم، فإنّني ألفت إلى أنها لا تصمد كثيراً في ساحة التدقيق والتمحيص والتحليل. ولا يعود ذلك إلى قلّة معرفة وإدراك عنده بمقدار ما يعود إلى حماسته لهذه الجمهوريّة وليس في إيران وحدها، وإلى حرصه في كل المجالات وخصوصاً مع أصدقائه الإعلاميّين على إقناعهم بالحتميّة المُشار إليها سواء بالعودة إلى الماضي الذي خبره جيداً، أو إلى الحاضر الذي يعتقد أن تطوّراته وبراغماتية القوى الدوليّة مع عمق جذور الإيديولوجيا الإسلاميّة الإيرانيّة ستوصلان ودائماً حتماً إلى النصر المؤزّر. فعن تأثير المحاولة الفاشلة للإنقلاب في تركيا سلباً على علاقة رئيسها رجب طيب أردوغان مع أميركا وأوروبا، وعن تصالحه مع روسيا وقراره والقيادة الإسلاميّة في إيران عدم التقاتل عسكريّاً والاستمرار في التبادل التجاري وفي العلاقة الطبيعيّة رغم الاختلاف في مواقف سياسيّة عدّة، عن كل ذلك يقول المتابعون للأوضاع في المنطقة وتطوّراتها أن الأحلام فيه والتمنّيات أكثر من الواقع. فالتخلّي عن التحالف مع أميركا يُضعف تركيا كثيراً، والخروج من حلف شمال الأطلسي يُفقدها مظلّة حماية، ويجعلها مكشوفة ليس فقط أمام دولة كبرى مهمّة مثل روسيا السوفياتيّة كانت هي "المتراس" الأوّل في وجهها نيابة عن الإثنين أميركا والأطلسي، والتحوّل في اتجاه التحالف مع أعدائهما وفي مقدّمها إيران مستحيل مبدئيّاً لاختلاف موقف كل منهما من إسرائيل. فهذه عدوة لإيران منذ 37 سنة وصديق بل حليف لتركيا منذ نشوئها عام 1948. واستمرّت الصداقة وتوابعها مثل التعاون الأمني والتبادل التجاري والاعتراف رغم نجاح إسلاميّي تركيا بزعامة أردوغان في الوصول إلى السلطة والاستمرار فيها وفي البدء في عمليّة تغيير الوجه العلماني لنظام بلاده. وهذا أمر لا يمكن أن يؤدّي إلى حلف بين الدولتين رغم أن إيران الإسلاميّة الشيعيّة لا تُمانع في تركيا إسلاميّة سنّية وفي تقاسم الإثنتين زعامة العالم العربي – الإسلامي. علماً أن هذه الزعامة محتملة، لكن قيامها وممارستها لن تكتمل إلاّ بانضمام إسرائيل إليها مباشرة أو على نحو غير مباشر. ويحتاج ذلك إلى قرار أميركي ودولي بوضع نظام جديد للمنطقة وإلى قرار أميركي – إيراني بالتفاهم وبعده إلى تفاهم إيراني – سعودي. أمّا روسيا فإنّها كانت عاملاً حاسماً منع انهيار الأسد ونظامه الصيف الماضي بتدخّلها استجابة لطلب إيران. لكنّها لا تعمل عند إيران وهي حمت بتدخّلها مصالح استراتيجيّة لها. كما أنّها تعرف أن الغرق في رمال سوريا يضرب هذه المصالح، ولذلك فإنها تدعو طهران يوميّاً والأسد والآخرين إلى التعقّل والبحث عن تسويات سلميّة لأنها لا تريد أن تدفع تكاليف انتصارهم ولا تستطيع تأمين الانتصار.
وعن اعتبار أميركا أوباما أن أولويّتها لم تعد التخلّص من الأسد بل من إرهاب "داعش" وأمثاله، يقول المتابعون أنفسهم أن فيه خطأ جوهرياً يتمثّل بتجاهل حقيقة إن التخلّص من الأسد لا يزال أولويّة وإن صار في المرتبة الثانية، وبتجاهل حقيقة أخرى هي أن الأسد ساهم مباشرة ومداورة في دفع الوضع السوري والإقليمي نحو الإرهاب، وتالياً ان موافقة العالم العربي والإسلامي السنّي على وقف الدعم المباشر أو غير المباشر لـ"الإرهابيّين" لن يتحقّق إذا لم يكن ثمنه ذهاب الأسد مع "داعش" وغيره أو بعده بقليل، أو على الأقل قيام سوريا جديدة دوره فيها أو دور من سيخلفه لن يكون "وطنيّاً" بل فئويّاً. أما عن تشبيه الأسد بصدّام حسين من طريق القول إن ثورة شعبيّة قامت ضد الأخير وشملت بغداد والجنوب ومنطقة الأكراد وانه قمعها واستعاد حكم بلاده بضوء أخضر من بوش بعد تمنّعه عن إدخال قوّاته التي حرّرت الكويت إلى العراق، أمّا عن هذا التشبيه فإن المتابعين أنفسهم يقولون إنه في غير محلّه على الإطلاق. فدولة صدّام المهزومة في الكويت كانت لا تزال موجودة في العراق كلّه، وكانت تحتاج فقط إلى عدم ممانعة بوش الأب في استعمالها الطيران لقمع الانتفاضة. وعندما حصل عليه ضرب و"استعاد" السيطرة. أمّا الأسد فإن دولته غير موجودة بكل مؤسّاستها وحتى بجغرافيتها المقسّمة، ولولا إيران و"حزب الله" وروسيا لكانت انتهت طبعاً من دون أن تقوم مكانها دولة أخرى. حتى لو أُعطي عدم الممانعة الأميركيّة والدوليّة لاستعادة الدولة إيّاها فإنها لن تعود. إذ إن غالبيّة شعب سوريا كي لا نقول شعوبها لا تريد عودتها وكذلك غالبية المسلمين العرب والمسلمين غير العرب السنّة.
هل من رد على نقطتي الصديق الإيراني المتعلّقتين بعلاقة السعوديّة وأميركا والسعوديّة وإيران؟