تسجل أرقام مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في تل عمارة انخفاضا في مستوى المياه الجوفية في لبنان إلى ما يقارب الـ70 مترا على أقل تقدير، وهي نسبة لم تسجل في تاريخ المصلحة، ويتزامن ذلك مع انخفاض منسوب مياه نهر الليطاني وبحيرة القرعون مع ارتفاع نسب التلوث في مياه النهر والبحيرة إلى درجة باتت ربما تستدعي دق ناقوس الخطر على مستوى الدولة.
 
في بقاع الينابيع، أطل العطش باكرا هذه السنة وانعكس جفافا أصاب مئات الآبار الجوفية، ليبدأ رالي صهاريج المياه منذ أيار الماضي في ظل سنة مطرية لا تصنف جيدة مع هطولات مطرية بقيت عند حد 454 ملليمترا ولم تقارب حدود 70 في المئة من المعدل العام التصاعدي الذي يعد مؤشرا مطريا يتعلق بكميات الأمطار المطلوبة كل عام ويقارب حدود الـ650 ملليمترا.
 
تراجع كمية الهطولات المطرية وجفاف الينابيع باكرا هذا العام، حوّل أنظار المواطنين إلى استخدام الآبار الارتوازية، إذ تم حفر المزيد من الآبار في محيط الينابيع بطريقة عشوائية من دون أن تحرك الإدارة الرسمية للقطاع المالي ساكنا، إن كان لجهة تنظيم الآبار أو لوقف هدر المياه من خلال شبكات مهترئة مضى على عمرها حوالي 60 سنة. 
 
ويؤكد المدير العام لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية الدكتور ميشال أفرام أن الجفاف سيترك انعكاسات سلبية على نوعية المياه المتوفرة وسيؤدي إلى تراجع المساحات الزراعية التي تحتاج إلى كميات من المياه لم تعد متوفرة في الآبار الجوفية في البقاع إلا بمستوى عمق يقدر بـ150 ويحتاج الوصول إلى المياه حتى 200 متر في بعض الأحيان، في حين أن مستوى عمق الآبار الجوفية كان يتراوح في السنوات الثلاثين الماضية بين 60 إلى 70 مترا.
 
ويشير افرام إلى أن الخطورة في الموضوع المائي هو أن تراجع الأمطار والثلوج يتزامن مع ارتفاع في نسبة الاستهلاك، وإهمال رسمي لإنشاء برك لجمع المياه كحال مشاريع بناء السدود الصغيرة التي بقيت حبرا على ورق.
 
وبحسب جدول أمطار المصلحة، فإن لبنان اعتاد على سنة مطرية جيدة كل عشر سنوات تقريبا تصل هطولاتها المطرية المتراكمة إلى أكثر من 1000 ملليمتر، لكن هذا الأمر لم يحصل طوال العشر سنوات الماضية، بحسب رئيس دائرة الأرصاد الجوية في المصلحة الدكتور ايهاب جمعة، الذي يشير إلى أن تاريخ آخر سنة مطرية جدية يعود إلى العام 2003، وفي الوقت الذي كان ينتظر أن تكون سنة 2013 جيدة مطريا لم تتجاوز نسبة الهطولات فيها حدود 700 ملليمتر ثم تلتها سنة جافة لم تتجاوز فيها نسبة الهطولات الـ283 ملليمترا ثم تابع الجفاف مساره لسنوات أخرى بلغ معدل هطولاتها نحو 500 ملليمتر.
 
وبحسب جمعة، فإن لبنان اعتاد على سنوات جافة كل 15 سنة، لكن منذ العام 1998 التي بلغت نسبة هطولاتها 319 ملليمترا كان هناك سنوات جافة أخرى العام 2008 النسبة (370 ملليمترا)، ثم 2014 (285 ملليمترا) وهي الأقل لتتبعها سنوات جافة أخرى.
 
وإذ يشير جمعة إلى ارتفاع الاستهلاك المائي بسبب وجود نحو مليون ونصف مليون سوري في لبنان، يتحدث جمعة عن مفارقة سلبية في عملية تعاطي اللبناني مع القطاع المائي، إذ تجسد باستنزاف المياه الجوفية من دون أي خطة للترشيد في استخدام المياه.
 
ويلفت جمعة النظر إلى أن من دلائل الجفاف نضوب نبع العليق الذي يعتبر أحد الينابيع التي تغذي نهر الليطاني، منذ العام 2012، إضافة إلى جفاف نبع حوش باي وهو نبع لم يجف سابقا، في حين أن ينابيع اليمونة والبردوني والغزيل وشمسين وشتورا وسواها ليست في أحسن أحوالها، إذ إن الحفر العشوائي للآبار الارتوازية يشكل تهديدا خطيرا قد يعرضها للجفاف.
 
 
 
السفير