ما يجري في تركيا اليوم يدعو إلى التساؤل.

 هل ان ما قام به ليل السبت الماضي في الخامس عشر من الشهر الجاري مجموعة من الضباط ذوي الرتب المتدنية والذي يمكن وصفهم بالهواة والاغبياء هو الانقلاب؟ 


أم أن ما يقوم به الرئيس رجب طيب اردوغان فور الإعلان عن فشل المحاولة الانقلابية البائسة والتي لم تستغرق لأكثر من ساعات معدودة من عمليات تطهير واعتقال واقالات طالت كافة مؤسسات الدولة التركية العسكرية والسياسية والقضائية والأمنية والتربوية وبلغت عشرات الآلاف هو الانقلاب الحقيقي؟ 


وبالتالي فإن هذا السؤال يستتبع تساؤلا آخر وهو أنه إذا كان الانقلاب الذي قامت به مجموعة صغيرة وغبية متمردة من الجيش قد أنتهى إلى الفشل.

هل ان الانقلاب الذي يقوم به اردوغان على الدولة العلمانية والتي أسسها أتاتورك وعلى المعارضين لسياسته وعلى رأسهم فتح الله غولن الذي يقيم في الولايات المتحدة الأميركية قد يكتب له النجاح ويتمكن من القضاء على مناوئيه في السلطة ويفسح في المجال أمام حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه من الاطباق على كافة مفاصل الدولة ويعلن نفسه الحاكم الأوحد والأقوى والديكتاتور بلا منازع؟ 


لا يبدو الأمر كذلك فاتساع مروحة الاعتقالات التي طالت كافة مرافق الدولة تؤكد وبما لا يدع مجالا للشك إلى حجم المعارضة الكبير لسياسة اردوغان ولجذوره الإخوانية ولنهجه في التعاطي مع الحياة السياسية في تركيا والقائم على الاستفرد بالسلطة وإلغاء باقي المكونات الحزبية داخل المجتمع التركي هي أكبر بكثير من إمكانية استيعابها وايداعها داخل السجون او عزلها عن محيطها.

سيما وأنها متغلغلة في عمق الأوساط التركية وكذلك فإن الطريقة المهينة التي يتم فيها الإعتقال وخصوصا لجنرالات أمضوا حياتهم في خدمة المؤسسة العسكرية ويعتبرون أنفسهم حماة للنظام العلماني في تركيا.

وكذلك فإن الروح الانتقامية التي تبرز من فلتات لسان اردوغان خلال التصريحات التي يدلي بها تشير بوضوح إلى عمق الهوة بينه وبين معارضيه والتي ستزداد عمقا مع إصراره على المضي في محاولة الغائهم وتغييب دورهم في تقرير مصير ومستقبل تركيا وعن حجم الدور الذي يمكن أن تأخذه في لحظة صناعة الشرق الأوسط الجديد. ومدى تأثيرها في صياغة القرارات المصيرية للمنطقة. 


وتجدر الإشارة إلى أن استمرار السلطات التركية وبأوامر مباشرة من الرئاسة بحملات الإعتقال والإهانة والاقالة والعزل ستؤدي إلى ضرب آخر معالم الديمقراطية التي تميزت بها تركيا عن باقي الدول الإسلامية لعقود خلت من عمر الجمهورية العلمانية خصوصا في ضوء رغبة اردوغان في إعادة احياء عقوبة الإعدام في تركيا والتي كان التخلي عنها شرطا من شروط الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي إضافة إلى احترام الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين.

وفي هذا السياق فإن وزير الخارجية الأميركي جون كيري ألمح إلى أن استمرار اردوغان في انقلابه المضاد يهدد عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي. 


وإذا كانت المحاولة الانقلابية الفاشلة فيما لو نجحت كانت ستدخل تركيا في مرحلة مضطربة قد تتطور إلى نزاع أهلي فإن الانقلاب الاردوغاني سيؤدي بدوره إلى وضع مماثل وسيدخل تركيا في نفق مظلم ويمكن أن يوصلها إلى حروب أهلية تهدد وحدتها لأن الخلافات تتجاوز السياسة لتشكل صراعا على الهوية التركية وعلى حجم دورها في المنطقة.