عدم شعور الجمهورية الاسلامية بقلق كبير مما تعتبره توظيفاً سعودياً لمشكلات داخلية عندها، مثل الأكراد والبلوش السنّة وعرب الأحواز الشيعة، قد يكون في محله في هذه المرحلة فقط لأسباب عدة منها أن المملكة لا تزال في بداية التحوّل من استراتيجيا الانكفاء والدفاع الى استراتيجيا الهجوم بشقيه المباشر وغير المباشر، ولم تستطع لغاية الآن تحقيق الأهداف التي حدّدتها. ومنها أيضاً اضطرارها الى أخذ مواقف حلفائها الدوليين الكبار من استراتيجيتها الجديدة ومن آثارها على الوضع الملتهب في المنطقة في الاعتبار. وهي قد لا تكون متوافقة معها مئة في المئة وخصوصاً إذا كان التحوّل المشار إليه نتيجة خيبة من تردّد هؤلاء الحلفاء وشكوك في دوافعهم التي قد لا تتوافق مع مصلحة المملكة. ومنها أخيراً دور مذهبية الصراع في المنطقة في طيّ الخلافات داخل الغالبية الشيعية في إيران ودور تقدمها العسكري التكنولوجي في التصدي لكل السياسات المعادية.
لكن رغم العوامل المفصّلة أعلاه لا تستطيع إيران أن تنام على حرير أن المرحلة المقبلة ستكون أفضل بالنسبة إليها، وأن التطورات التي ستحصل في أثنائها ستبدد قلقها الكبير وتعزّز آمالها في تنفيذ مشروعها الاقليمي أو القسم الأكبر منه. ذلك أن التركيز على سعودية قرار التدخل في مشكلات إيران الداخلية رداً على تدخلها في مشكلات المملكة ومشكلات الدول المعادية لها في المنطقة والبناء عليه ليس في محله. إذ إن التباين الى درجة الاختلاف بين الرياض وواشنطن حيال قضايا عدة لا يعني طلاقاً بين الاثنتين. ولا يعني أن الأولى ستذهب بعيداً في تطبيق استراتيجيتها الجديدة المشار إليها أعلاه اذا لمست رفضاً لها من أميركا قد يبلغ حد التهديد بعدم تقديم المساعدة إذا برزت الحاجة إليها. ولا يعني أن الثانية تخلّت عن اعتبار السعودية خطاً أحمر لن تسمح لأحد باختراقه.
انطلاقاً من ذلك يدعو المتابعون الجديون للمنطقة بأزماتها وأطرافها والمتدخلين فيها من خارجها إيران الى التنبّه الى إمكان استفادة أميركا من السياسة الايرانية الجديدة للسعودية بغية الضغط على النظام في طهران كي يتجه فعلاً وليس قولاً نحو الاعتدال، ونحو السعي لايجاد حلول مقبولة في المنطقة لا حلولاً تؤمن له نصراً لم يستطع أن يحقّقه في ساحات القتال غير المباشر الذي خاض ولا يزال يخوض، والذي بدأ يتحوّل مباشراً في سوريا منذ أشهر. ويذكّر هؤلاء طهران "بالافادة" التي حققتها أميركا من "داعش" عدوّها، رغم عدم امتلاك أحد ما يؤكد أنها ساهمت في خلقه ولا سيما بعد احتلاله الموصل في العراق. ولعل أهم إفادة كانت قراراً نهائياً إيرانياً بانجاز الاتفاق النووي. ويلفتون في الوقت نفسه الى أمر مهم هو أن إيران لا تستطيع الانتصار في سوريا بدليل استعانتها مضطرة قبل نحو سنة بروسيا بوتين لتلافي انهيار الرئيس بشار الأسد ونظامه، وأنها لا تستطيع إقناع روسيا بزيادة تدخلها العسكري لتحقيق الانتصار الذي تريد لأن روسيا لا تزال تتذكر أفغانستان السبعينات وهزيمتها فيها. وأنها لا تستطيع زيادة تدخلها العسكري النظامي المباشر بعدما ثبت عجز الميليشيات غير الايرانية عن تحقيق الهدف المطلوب. ذلك أنها قد تعرّض نفسها لهزيمة مشابهة لهزيمة السوفيات في أفغانستان في حال إصرارها على مشروعها الطموح جداً. وإذا ركبت رأسها واستمرت في سوريا والعراق واليمن مصمّمة على انتصار شامل وغير عابئة بمواقف شعوب المنطقة ومصالحها وبالأبعاد المذهبية للصراع التي صارت سمته الأبرز، فإنها تعرّض نفسها إلى نزيف مباشر عسكري في سوريا إضافة الى النزيف المالي المستمر فيها وفي المنطقة كلها. كما تعرّض نفسها الى تحديات داخلية خطيرة مبرراتها موجودة، لكنها لم تنفجر لغياب القرارين الإقليمي والدولي. ولا شيء يمنع انفجارها وبحدة وخصوصاً إذا أدى تمسكها بمشروعها الى توافر القرارين المشار إليهما.
ما المطلوب من النظام الإسلامي في إيران وتحديداً قادته في هذه الحال؟
عدم تغييب العقل الموجود واستعمال الحكمة المتوافرة والواقعية المعروفة عند الايرانيين مع عدم التفريط بالنظام والابتعاد عن غرور القوة أو القدرة، وعن نشوة الانتصار في الوقت نفسه. فإيران قادرة عسكرياً، لكن لا قدرات مطلقة عند أحد في المنطقة أو في العالم. وهي قادرة مالياً ولكن القدرة المالية ليست حكراً عليها. وهي أخيراً الوحيدة التي لا تحتاج الى راع دولي لها أو حام، لكنها لا تستطيع انطلاقاً من ذلك فرض إرادتها على الكبار في العالم.
ماذا يجب أن تفعل إيران إذا؟