أسبوعان يفصلان الفرقاء السياسيين اللبنانيين عن استحقاق الخلوة الحوارية التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري في 2 و3 و4 آب (أغسطس) المقبل، بحيث يفترض أن تحضر الكتل النيابية كافة التي تمثل الأطياف اللبنانية أجوبتها على عناوين السلة التي اقترحها البت بها في هذه الخلوة: رئاسة الجمهورية، قانون الانتخابات النيابية التي يفترض أن تجرى في ربيع 2017، والحكومة التي يفترض أن تتشكل بعد انتخاب رئيس الجمهورية ومهماتها.

ويفتح الأسبوع الحالي بدءاً من غد الثلثاء على مشاورات ولقاءات واتصالات يمكن وصفها بأنها تحضيرية لتلك الخلوة، بالجولة الـ31 للحوار الثنائي بين تيار «المستقبل» و «حزب الله» بإشراف بري ممثلاً بوزير المال علي حسن خليل، فضلاً عن الاتصالات البعيدة من الأضواء بين عدد من ممثلي الكتل في محاولة لإخراج اللجان النيابية من الطريق المسدود الذي بلغته في شأن قانون الانتخاب، عبر السعي إلى إيجاد جوامع مشتركة بين مشروعي بري من جهة و «المستقبل» و «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي، للقانون المختلط الذي يجمع النظامين النسبي والأكثري للاقتراع.

وينتظر أن يتطرق الحوار الثنائي بين «المستقبل» و «حزب الله» إلى موضوعي قانون الانتخاب ورئاسة الجمهورية والأجواء المحيطة بجهود إنهاء الشغور الرئاسي، وسط تناقض المعطيات في هذا الشأن، بين اقتناع أوساط زعيم «التيار الوطنـي الحـر» العماد ميـشال عـون بـتـقدم حظوظه في الرئاسة في الأسابيع الأخيرة، وبين المعطيات التي تفيد بأن ترشيح زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية ما زال يحظى بدعم زعيم «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وفق ما أبلغ إلى وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إرولت خلال زيارته بيروت مطلع الأسبوع الماضي.

ربط قانون الانتخاب بالرئاسة
إلا أن أي تقدم يمهد للاتفاق على قانون الانتخاب المختلط وفق المحاولة الجارية بين الكتل، بات مرتبطاً ببحث ملف الرئاسة بحسب تصريحات نواب في «التيار الحر» الذي لم ينتقل بعد إلى التسليم باعتماد القانون المختلط مع تعديلات على مشروع بري أو المشروع الثلاثي، وما زال يتمسك بمشروع «اللقاء الأرثوذكسي»، أو باعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة الذي يقول به «حزب الله»، ما يوحي أن التنازلات في قانون الانتخاب مرهونة بخيارات الفرقاء الآخرين (تحديداً المستقبل) الرئاسية، وما إذا كانوا سيؤيدون عون أم لا، وهذا ما ينبئ بتأجيل أي توافق على قانون الانتخاب إلى خلوة مطلع آب الحوارية.
وإذا كانت عودة الرئاسة إلى صدارة الأولويات، بدل أولوية الاتفاق على قانون الانتخاب، هي التي تتحكم بالمداولات المقبلة، فإن أوساطاً مراقبة تسجل اختلافاً في فهم وقراءة المؤشرات إلى أسباب أولوية الرئاسة على غيرها.

فقراءة المتفائل بتقدم حظوظ عون يشير إلى تلقيه إشارات أميركية بنية واشنطن بذل جهود إقليمية تقنع بعض الدول بخياره، استناداً إلى أن واشنطن ترى إنهاء الشغور الرئاسي بأي ثمن وبأي رئيس لوقف احتمالات تراجع الاقتصاد والاستقرار اللبناني.

ويقول مؤيدو خيار عون أنه يجلب الحد الأدنى المطلوب من الاستقرار وأن حجة المسعى الخارجي هي أنه يلتزم اتفاق الطائف ويرغب في التعاون مع الحريري في رئاسة الحكومة لأنه صاحب الأرجحية السنية والخط المعتدل في مواجهة التطرف كما يقول هؤلاء أن عون يساعد في فصل إدارة الوضع اللبناني بمعزل عن الأزمة السورية نظراً إلى دالته على «حزب الله» الحليف له، مقابل طمأنته إلى عدم اتخاذه خيارات معاكسة له وهو منخرط في الحرب في سورية، وذلك للتخفيف من آثار هذه الحرب على لبنان.

كما يقرأ بعض المحيطين بعون ما سمعوه من إرولت بأنه سيسعى إلى فصل الحل في لبنان عن الأزمة السورية على أنه جهد لإقناع القوى الإقليمية المتحفظة على عون باعتباره حليفاً لخصم لها يقاتل في سورية، بأن تحالفه مع «حزب الله» لا يعني معاداته لها مثلما يفعل الحزب. ويذهبون إلى أن يرجحوا أن عون في حال انتخابه رئيساً يتمنى أن تكون زيارته العربية الأولى إلى المملكة العربية السعودية، وأن علاقته بالنظام السوري مرتبطة بالحل السياسي في سورية والمعادلة التي ستنجم عن الانتخابات في سورية لاحقاً...

عزل الرئاسة عن سورية
في المقابل يقرأ المتحفظون على خيار عون والذين يستبعدون تقدم حظوظه التطورات الإقليمية بالقول أن الإلحاح الأميركي على انتخاب أي رئيس يعني اختيار شخصية ثالثة وسطية بينه وبين فرنجية. كما يفهم الفريق المعارض لانتخاب عون كلام إرولت عن عزل الحل في الرئاسة اللبنانية عن الأزمة السورية، أن تقتنع إيران بالإقلاع عن الربط بين الإفراج عن الرئاسة في لبنان، كورقة بيدها بضمانات تؤدي إلى تثبيت بشار الأسد في سورية.

وعليه فإن هذا الفريق يعتبر أنه يصعب إقناع جهات إقليمية بالعماد عون، طالما هو حليف لـ «حزب الله» وإيران في لبنان وفي سورية، وبالتالي لن تقبل بمجيء رئيس سيضطر نتيجة هذا التحالف، إلى مراعاة النفوذ الإيراني في لبنان، في ظل الهجوم الإيراني المتصاعد على دول الخليج والسعودية وفي سائر الميادين العربية، ومنها سورية، والتي تعتبر طهران أن لبنان إحدى منصات هذا الهجوم.

بل يذهب أصحاب هذه القراءة إلى فهم حديث إرولت عن عزل الحل الرئاسي اللبناني عن الحرب السورية بالإشارة إلى ما قاله عن أهمية تنفيذ بنود قرار مجلس الأمن الرقم 1701 بعد 10 سنوات على صدوره وأن يتخذ مجلس الأمن خطوات في هذا الصدد، على أنه تلميح إلى تفعيل البنود المتعلقة بإمكان استعانة السلطات اللبنانية بالقوات الدولية لضبط الحدود اللبنانية بحيث تساهم هذه القوات في إقفال الحدود الشرقية مع سورية لوقف تسرب المسلحين بمن فيهم قوات «حزب الله»، لكي يحصل فصل عملي وواقعي بين أزمتي البلدين فيكون ذلك مخرجاً لحصر نشاط الحزب في لبنان... ويعيد ذلك إطلاق المساعدات المالية والعسكرية للبنان بالتزامن مع انتخاب الرئيس.

وبين القراءتين تبدو المواقف متباعدة، إلى أن تنعقد الخلوة الحوارية مطلع آب ليظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

المصدر : الحياة