سلسلة "الموقف هذا النهار" التي عكست بـ74 حلقة يومية مواقف الولايات المتحدة من الشرق الأوسط المشتعل، ومن الدول الكبرى فيه المتورطة في حروبه مثل تركيا وإيران والسعودية ونزاعاته، كما من الدول الكبرى في العالم المتدخلة في حروبه حفاظاً على مصالحها وإن بحجة محاربة الإرهاب، هذه السلسلة انتهت. لكن ذلك لا يعني أن "الموقف" اليومي بعدها سيقتصر على الوضع اللبناني الداخلي رغم إلحاح مشكلاته وصعوباته. ذلك أن الأخيرة صارت مرتبطة بالأوضاع في المنطقة، وبالصراعات الدائرة بين دولها الكبرى كما بين القوى العالمية الكبرى وفي مقدمها أميركا وروسيا. انطلاقاً من ذلك سأبدأ اليوم بالوضع الدولي – الاقليمي لأنتهي بالوضع اللبناني وتعقيداته ومشكلاته وأبرزها إنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية الذي بدأ قبل أكثر من سنتين. وفي هذا الاطار تفيد المعلومات المنشورة أن التشاور بين واشنطن وموسكو حول وسائل وقف الحرب السورية لم يكن وصل بعد الى تفاهم قبل الزيارة الثالثة لوزير خارجية أميركا جون كيري لموسكو التي بدأت قبل يومين وكانت لا تزال مستمرة أمس، وذلك رغم التقارب بينهما في موقفهما السلبي من الإرهاب. وتفيد أيضاً أن الاتصال الهاتفي بين الرئيسين أوباما وبوتين لم يحل الاشكالات التي لا تزال تعوق تفاهمهما على خطة عسكرية نهائية للقضاء على "داعش" وأمثاله. أما المعلومات المتسرّبة الى جهات جدية اقليمية ودولية فتشير الى أن اختلافهما كان بسبب شروط أربعة وضعتها أميركا، أولها قيادة غرفة العمليات العسكرية. وثانيها تقويم الأهداف العسكرية التي استُهدفت والاخرى التي ستُستهدف. وثالثها إجراء مسح جوي ميداني. ورابعها منع إفادة الرئيس بشار الأسد ونظامه من التعاون العسكري المباشر بين روسيا وأميركا. وفي الإطار نفسه أيضاً تفيد معلومات الجهات الجدّية نفسها أن الحوار الأميركي – الايراني حول القضايا الاقليمية سيبقى معطلاً رغم رغبة واشنطن فيه. إذ أن القيادة في طهران تفضّل أن "تعطي رئيساً" أميركياً جديداً سينتخب بعد أشهر وليس رئيساً ذاهباً رغم التقدير لما فعله. وهذا أمر فعلته طهران يوم رفضت حل أزمة رهائن السفارة الأميركية في طهران مع الرئيس المقاربة ولايته على الانتهاء جيمي كارتر، مفضّلة انتظار خلفه وكان يومها رونالد ريغان. علماً أن هناك جهات سياسية واسعة الاطلاع تعتقد أن إيران الاسلامية لا تريد إعطاء أميركا شيئاً في مقابل "النووي" الذي أخذته. بل أنها متمسكة بتنفيذ مشروعها الاقليمي الأساسي في المنطقة أي السيطرة عليها بامتلاك قرار دول ما سمي "الهلال الشيعي" رغم فشله. وهي تحاول الآن تنفيذه بوسائل أخرى انطلاقاً من زيادة تفتت الكيانات القائمة ومن إمساكها بقرار المجموعات الشيعية فيها التي يبلغ حجمها الديموغرافي 50 في المئة تقريباً. علماً أن ذلك يقتضي ضرب وحدة دول إقليمية كبرى. وليس ذلك سهلاً رغم ما تعانيه داخلياً بسبب رفض الدول الكبرى والعظمى له.
وفي الإطار إياه ثالثاً أن الزيارة الطويلة لولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لأميركا كانت ناجحة، لكنها لم تؤد حتى الآن الى إقناعها بدعمه كي يكون الرجل الأول في بلاده رغم ذكائه ربما بسبب حماس مفرط عنده وما هو أكثر من ذلك.
أما في الاطار اللبناني فإن الشغور الرئاسي قد يستمر طويلاً رغم تدخل فرنسا ومساعيها خلال الشهرين الماضيين مع طهران والرياض. فالأولى قالت أنها لا تتدخل في شأن لبناني داخلي. والثانية لم تبد حماسة لعون. وقيل أن الوزير الايراني محمد جواد ظريف قال للفرنسيين أن رفض الأخير ليس سعودياً فقط بل غربياً، وسيجعل ذلك بلاده تضع "فيتو" على تولي زعيم "المستقبل" سعد الحريري رئاسة الحكومة.
وفي الاطار ذاته يتوقع العارفون في حال عدم التفاهم على ترئيس عون استمرار الشغور طويلاً. ويتوقعون أيضاً أزمة تطاول مساعي منع الشغور في قيادة الجيش في أيلول المقبل في حال عدم التمديد لقائده الحالي العماد جان قهوجي.
ويتوقعون ثالثاً وفي حال اليأس من انهاء الشغور لمصلحته افتعال عون أزمة تمكنّه من تحقيق مكاسب في مقابل التمديد لقهوجي يمكن أن تكون المديرية العامة لجهاز أمن الدولة أحدها كما بعض المواقع في مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي. هل تصح هذه التوقعات؟ الله أعلم مع الإشارة الى أن الفراغ في المؤسسة العسكرية مرفوض من الخارج قبل الداخل.