بعد مرور عشر سنوات على حرب تموز 2006 والانتصار الكبير الذي حققه الحزب والمقاومة الاسلامية في مواجهة الجيش الاسرائيلي في هذه الحرب ، ماهي التحديات التي يواجهها الحزب والمقاومة اليوم ؟ وهل يقتصر التحدي على القضايا الخارجية واين موقع الهموم الداخلية من اهتمامات الحزب ومسؤوليه ؟

المتابع لما يجري داخل البيئات الاسلامية القريبة من حزب الله  يلاحظ وجود نقاشات جدية حول موقع واولوية القضايا والهموم الداخلية في اهتمامات الحزب وهل يمكن ان تتقدم هذه الاهتمامات الى المستوى نفسه لاهتمامات الحزب الخارجية ومعاركه الكبرى والوجودية؟.

يعتبر عدد من الكوادر الاسلاميين المشاركين في هذه النقاشات الخاصة: ان القضايا الداخلية والهموم اليومية للمواطنين ان  في لبنان او في اية دول عربية اخرى اصبحت تأخذ حيزا مهما من الاهتمام ولم  يعد بالامكان تجاهلها بحجة الانشغال في الصراعات الكبرى في المنطقة مهما بلغت اهمية هذه الصراعات وحجم المعارك التي تشارك فيها قوى المقاومة ان في مواجهة العدو الصهيوني او المشاريع الاميركية او المجموعات الارهابية او اية مشاريع اخرى.

ويقول هؤلاء: ان تحصين الساحة الداخلية  اصبح يشكل جزءا مهما من المعركة الخارجية، لانه اذا لم يتم تحصين هذه الساحة فانها تصبح مباحة للاعداء بشكل مباشر او غير مباشر او ما كان يسميه المفكر الجزائري مالك بن نبي : قابلية الاستعمار، ان من خلال انتشار العملاء او الحرب الناعمة او عبر شبكات الفساد والافساد ، وانه اذا كانت المعارك الخارجية والعسكرية مهمة فان معركة بناء الدولة والمجتمع لها اهمية قصوى في هذه المرحلة.

ويستعرض الكوادر الاسلاميين العديد من الملفات الداخلية التي اصبحت تشكل عبئا وخطر كبيرا على المجتمع المقاوم ، ومنها : شبكات الانترنت الشرعية وغير الشرعية ، ملفات الفساد المالي، الحرب المالية والاقتصادية على البيئة المقاومة، غياب العناصر الاساسية في حياة المواطنين واللجوء الى الخدمات البديلة وخصوصا الماء والكهرباء، السيطرة على المشاعات العامة وغياب المحاسبة، سيطرة بعض المافيات على مناطق معينة وفرضها الخوات المالية ونشر المخدرات والاعمال غير الاخلاقية المسيئة للمجتمع، تراجع الاجواء الايمانية وانتشار بعض الاجواء السلبية داخل العائلات وبين الاطفال ان بسبب وسائل التواصل الاجتماعي او عبر شبكات الانترنت.

وكل هذه الملفات اصبحت تنعكس بشكل سلبي على البيئات المقاومة وتترك اثارها السلبية على هذه البيئات ، وقد تنبهت قيادة حزب الله للعديد من هذه المخاطر وعمدت لتأسيس مراكز الدراسات والمؤسسات المعنية من اجل اعداد  الدراسات والاحصاءات والبحث في كيفية مواجهة هذه المخاطر.

لكن ازدياد الضغوط الداخلية والخارجية على الحزب والمقاومة ادت الى بعض التراجع في الاهتمام الداخلي ، رغم اهمية الجهود التي بذلت مؤخرا وخصوصا لجهة كشف شبكات الانترنت غير الشرعية والمساعي التي بذلت لمعالجة ملف النفايات وغيرها من الجهود لتحصين الواقع الاجتماعي والتربوي.

لكن الكوادر الاسلاميين القريبين من بيئة حزب الله بعتبرون في مناقشاتهم الخاصة : ان المطلوب اليوم زيادة الاهتمام بالشأن الداخلي ان على الصعيد اللبناني او في كل دولة عربية او اسلامية تواجه معارك صعية وتحديات مختلفة ، وهذا يستدعي الاستفادة من اصحاب الاختصاص والتركيز على بناء الدول القوية واعطاء الاهتمام للحرب الناعمة ، كما هو حاصل في الجمهورية الاسلامية الايرانية والتي يحرص مسؤولوها وخصوصا الامام السيد علي خامنيء في خطاباتهم الاخيرة على التركيز على الحرب الناعمة وبناء المجتمع المقاوم والاقتصاد المقاوم.

وردا على هذه النقاشات تلفت مصادر مطلعة داخل حزب الله ، ان الحزب ليس بعيدا عن هذه الاجواء وهو يعمل بشكل دائم لتطوير بنيته التنظيمية من اجل مواجهة مختلف التحديات وقد اعطى مؤخرا اهتماما كبيرا للشؤون الداخلية ، كما انشأ اجهزة متخصصة للتعاطي مع مواقع التواصل الاجتماعي وهناك اهتمام واسع بمختلف هموم الناس والمواطنين رغم صعوبة معركة مواجهة الفساد والفاسدين ان في لبنان او في دول المنطقة وخصوصا التي تواجه تحديات كبرى.

وبين ما تطرحه الكوادر الاسلامية القريبة من حزب الله والطموحات الكبيرة في اقامة دولة العدالة والكفاءة والمواطنية الصحيحة وما يقوم به الحزب من جهود مختلفة لاتزال المسافة غير قصيرة.

طبعا الانتصار في حرب تموز 2006 شكل تطورا مهما في الصراع مع العدو الصهيوني واوجد حالة من توازن الرعب بين المقاومة والجيش الاسرائيلي وحما لبنان من مخاطر عديدة ، لكن المهم ايضا الانتصار في الحرب الداخلية ، وكما قال الرسول الاعظم محمد (ص) بعد الانتهاء من احدى الحروب: اليوم انتهى الجهاد الاصغر وبدأ الجهاد الاكبر، وعندما سئل صلوات الله عليه : وماهو الجهاد الاكبر فأجاب : جهاد النفس (أي المعركة الداخلية).

قاسم قصير
موقع النور الجديد