تمهيد: لمناسبة الدعوة لعقد مؤتمر عربي شامل لدعم المقاومة في بيروت (حزب الله) يوم الجمعة المقبل في الخامس عشر من تموز الجاري في بيروت، وذلك تطبيقا لقرار المؤتمر القومي العربي في دورته الأخيرة في تونس والتي عقدت في العشرين من نيسان 2016.ونرغب بتوجيه ملاحظتين سريعتين قبل انعقاد المؤتمر، وسنعلّق على أعماله وقراراته في حينها.
أولا: الفكر القومي وليد النضال الدؤوب.
لم يظهر الفكر القومي العربي مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مصادفة أو نتيجة ظروف طارئة، وإنّما ظهر بعد سلسلة من الأحداث والتطورات على امتداد القرن التاسع عشر، كان أهمها مشروع محمد علي التحديثي، ومشاريع رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي النهضوية، وأفكار طه حسين والشدياق والمراش والنجار وزكي وغيرهم من رجال الإصلاح في القرنين الماضيين، وترافق ذلك مع اشتداد الضغط العثماني من جهة والإستعمار الغربي من جهة أخرى، ولم تُكتب لهذا الفكر حياةٌ لولا تكوُّن طبقة من البرجوازية الوطنية والمُثقّفين الليبراليين الذين رأوا في المشروع القومي تعبيراً عن مصالحهم المستجدة مصالح جموع الشعب. 
وعليه لا يكون المشروع القومي هبة إلهية، ولا مجداً توارثته الأجيال عن أمجاد العرب.
ثانيا : ماهية الفكر القومي: القومية، باختصار وبساطة، وكما عرّفها علماء الإجتماع السياسي وتوافق على ذلك رُوادُّ الفكر الليبرالي هي إيديولوجية تتضمّن شعور ووعي والتزام الفرد أو الجماعة بالدولة المدنية المُوحّدة وحرصه على مصلحتها وتقدّمها.
وكان من الطبيعي، كما يرى معن زيادة أن يهتم القوميون العرب بإشكالات الملائمة بين القديم والجديد، وقد اتخذت تسميات مختلفة: كالتراث والحداثة، والأصالة والمعاصرة، والشريعة والقانون الوضعي.
ورأى معظم القوميين الليبراليين أنّ الدولة المدنية العصرية لا تتُمُّ إلا بهزيمة الثقافة التقليدية المُثقلة بالإجترار والغيبيات الوافدة من الفكر الديني، وانتصار ثقافة العصر الحديث المُنتشية بالعلم والعقلانية. وتناسلت من هذه الإشكاليات موضوعات الإسلام والعروبة.
ثالثا: العروبة ليست الإسلام..
العروبة، أيها العروبيون( أي مُدّعو العروبة) لا حياة لها في حضن الإسلام، وحبذا لو تقرأون كتاب علي عبد الرّازق" الإسلام وأصول الحكم" فالحكم عند عبد الرازق ليس شأناً دينيا، بل خلاصة الفكر السياسي وتجارب الأمم.
وحريٌّ بنا أن نُذكّركم أنّ العروبة ليست الإسلام، ومن دواهيها الأخيرة أنّكم تُلقون بها في أحضان الإسلام، وكأنّ مصائبها الحالية لا تكفيها،العروبة محصلة عصر الإحياء العربي، أصيبت بانتكاسات عميقة من الخارج والداخل، أمّا مخازي "الإسلامويين" أي مُدّعو الإسلام فهي ماثلة للعيان، وقد تآلفت وتعاضدت مع الديكتاتوريات، فولّدت الحروب والمنازعات الأهلية والمذهبية والإثنية، لذا نرجو أن لا تزجّوا بها في أتون المعارك الدائرة، ولا تتوهّموا أنّكم تقيمون حقّا أو تهدمون باطلا عندما تحضرون إلى بيروت، فتنصرون فلسطين بالقول الفارغ والمعسول، وتخذلون ثوار سوريا بالقول المأثوم والأفعال المخزية.