يا رَسُولَ الحَيَاةِ: نَضِّرْ قَصيديْ بِنُثَارٍ مِنْ فَجْرِكَ المَنْشُودِ
عَلَّني أَسْتَحِثُّ لَمْحَةَ ذِكْرَا كَ...لجيلٍ يحيى حياة الشريدِ
وَأُغنِّيهِ: كَيْفَ كنتَ.. وكانتْ بسْمَةَ الفَتْحِ في فمِ المَوْلودِ
كيفَ كانَ الهُدَى يَهُزُّ عُروشَ الظُّلْمِ.. في فَتْكَةِ الرِّماحِ المِيْدِ (1)
عَلَّهُ يَنْشُدُ الحياةَ-كما سِرْ تَ- طليق الخُطَى نَقِيَّ البُرودِ
فَهْوَ يحيا هنا.. وراءَ ستارِ الليْـ ـلِ.. جَرْياً ما بينَ خَمْرٍ وغيد (2)
ليسَ يدريْ أَنَّ الشبابَ إذا لمْ يُلْهِبِ الشَّوْطَ بِالصِّراعِ العَنيدِ
سَوفَ يَهوي إلى قَراراتِ دُنْيا هُ.. جَريحاً في أُفُقِهِ المحدودِ
 
وَتَجَلَّتْ ذِِكْراكَ.. فَانتَفَضَ الفَجْـ رُ.. وهَشَّ الضُّحى لِذِكرى الوليدِ
يا لَدُنيا تسيرُ.. والنُّورُ يَحدُو هَا.. إلى مَوْكبِ السّماءِ الجديدِ
أَيُّ لحْنٍ: أَثَارَ دَمْدَمَةَ الوا دِي.. وهَزَّ الحياةَ باسمِ الخُلودِ
فَإِذا كُلُّ زَهْرةٍ تَنْفُضُ العِطْـ ـرَ.. لتَسْتَافَ مِنْ عَبيرِ الوجودِ(3)
أنتَ أودعتَ حقلَهَا كلَّ رفَّا فٍ مِنَ الزَّهْرِ مائجٍ بالنشيدِ
أنتَ أنبتَّ في حقولِ الكراما تِ حياةً خَفَّاقةً بالبنودِ
أَنتَ رَنَّحتَ زَهْوة النُّورِ في أُفْـ ـقٍ تَرَامى بينَ الأَسى' والجمودِ
وخَلَقْتَ التَّاريخَ في أُمَّةٍ تَجْـ ـريْ.. وتاريخُهَا صريعُ الرُّكودِ

****

ثُمَّ لَوَّحْتَ أَنَّ دَعْوَتَكَ الطُّهْـ ـرَ.. امتدادٌ لدعوةِ التَّوحيدِ
تَتَقرَّى مواطنَ الدَّاءِ في رِفْـ ـقٍ.. وتحنو على جراحِ العبيدِ
وَقَفَتْ بينَ حَاضرٍ ينشدُ النُّورَ، ومـاضٍ يأبى' عن التجديدِ
وعلى اسمِ الزَّكاةِ: سارتْ بدنيا كَ اشتراكيَّةٌ لعهدٍ جديدِ
فَجَنَتْ من عُصارةِ المالِ دنيا تجتني النورَ من ثمارِ الجهودِ
وتخطَّتْ مجاهلَ الدّربِ في الصَّحْـ ـراءِ.. والكونُ في ظلامٍ شديدِ
فإذا القفرُ واحةٌ: تبعثُ الظـ ـلَّ مديداً على خطوطِ البيدِ
وإذا بالرَّخاءِ: يحتضِنُ الأرْ ضَ، ليطويْ ذكرى العهودِ السُّودِ
بُورِكَتْ ثروةُ الحياةِ: تغذِّيـ ـها.. بفِكْرٍ حرٍّ، ورأيٍ سديدِ
ليعودَ الجميعُ... في دعوةِ الحـ ـقِّ سواءً في ظلِّهِ الممدودِ

****

يا رسولَ الحياةِ: أنتَ هنا.. في الـ ـحَقْلِ.. في يقظةِ الصباحِ الرَّغيدِ(4)
فَتَلمَّسْ أزهارَهُ: هلْ تَرى في الـ ـها رواءَ النَّدى' وزهْوَ الورودِ
.. وَتَسَاءَلْتَ كيفَ جَفَّتْ.. وكانتْ أَمْسِ كالحبِّ في دمِ المعمودِ
أَتَرَاها نَهْبَ الأَعاصيرِ.. والآ فاقُ ملأى' بعاصفاتِ الرعودِ
إِنّها تَنْشُدُ الحياةَ ولكِنْ كيفَ ترجو الحياةَ خَلْفَ السُّدودِ
أَيْنَ منها.. مَرَابعُ النُّورِ.. والنُّو رُ تلاشى في حَالِكَاتِ العهودِ
فَتَلَوَّتْ: كما تَلَوَّى مِنَ البُؤْ سِ رهينُ الشَّقـاءِ والتنكيدِ
إِنَّهُ زَهْرُكَ الجميلُ.. لَمَحْنَا هُ .. ولمَّـا يَزَلْ طَرِِيَّ العُودِ
حينَ كانتْ تَنْهَلُّ بالنُّورِ أَطيا فٌ وتَهْمي بالشَّدوِ والتَّغريدِ
فَتَرَفَّقْ بها.. فَقَدْ هزَّهَا الإِعـ ـصَارُ.. في ثورةِ الخَريفِ العنيدِ
وَتَعَرَّتْ مِنَ السَّنا.. وغَفَتْ فو قَ هَشيمٍ مِنْ حَقْلِهَا المَجْرودِ
وَجَرَى' الدهرُ فوقَهَا.. فتهاوتْ بينَ عَسْفِ الدُّجى وَلَسْعِ الجَليدِِ(5)

****

ويقولونَ: إِنَّ دينَكَ ماتَتْ في حناياهُ.. ثورةُ التَّجديدِ
بَعْثَرَتْ خَطْوَهْ الحياةُ فلمْ يَمْـ ـلِكْ طريقاً... إِلى مَجَالِ الخُلودِ
وتَخَطَّتْهُ قافلاتُ الغَدِ الآ تيْ.. ولمَّا يَزَلْ صَرِيعَ الهُجودِ
في ظِلالٍ تُغْريهِ: أَنْ يَدَعَ الدَّرْ بَ.. ويجريْ إِلى مَجَالٍ بعيدِ
حَيْثُ لا وَثْبةُ الصِّراعِ تُنَاديـ ـهِ.. ولا ثورةُ اللَّظى والوَقودِ
وتقولُ السَّماءُ: دِينُكَ جبَّا رٌ.. يَشُدُّ الخُطى بروحِ الصُّمودِ
وسَمَاحٌ يوحي لنا أَنَّنا نجـ ـريْ.. مَعَ الكونِ في نِظامٍ فَريدِ
لم يُسَخِّرْ لِبَعْثِ قرانِهِ الأَسْـ ـمى.. بافاقِنَا سِيَاطَ الجُنودِ
لا.. ولمْ يَغْصِبِ الثِمَارَ لِيَمْتَصَّ بها بُلغْةَ الضَّعيفِ الوحيدِ(6)
إِنَّمَا كانَ قُوَّةً تجَْذِبُ الفِكْـ ـرِ لآياتِهَا بِغَيـرِ وَعيدِ
تَحْمِلُ النُّورَ في يَدٍ، وَتُغَذِّي بيدٍ كُلَّ مُسْتَضَامٍ طَريدِ
وَتَضُمُّ القلوبَ حَوْلَ جِرَاحٍ مِنْ لُهَاثِ المُحَطَّمِ المكدودِ
وتُحيلُ الأَسى ينابيعَ حُبٍّ تتلاقى' على ربيعِ الوجودِ
رَكَضَتْ فَوْقَهَا السنونَ وما زا لتْ بِأَجفانِهَا طُيوفُ الخُلُودِ
كلُّ ما تبتغيهِ أَنْ تَرْفَعَ الرَّا يَةَ.. رَمْزاً لِرَوْعَةِ المعبودِ
ويعيشَ الجميعُ.. في ظِلِّ فَجْرٍ يَبْعَثُ الحُبَّ في الفضاءِ المديدِ
 
يا رَسُولَ الحَيَاةِ مَرَّتْ على الوا ديْ.. تَهَاويلُ ظُلْمةٍ وقيودِ
تتجنَّى على ملاعبِهِ الخُضْـ ـرِ فَتَجْتَاحُ رائعاتِ الورودِ
رَوَّعَتْ لَمْحَةَ السَّنَا في مَآقِيـ ـنَا.. وَأَهْوَتْ على بَقَايا النَّشِيد
وَجَرَتْ، وَهْيَ تَهْصِرُ الفَنَنَ الغَا فيْ.. على حُلْمِ مَجْدِنَا المفقودِ(7)
في مَجَالٍ، لم نَدْرِ أَنَّ اللَّظَى يَكْـ ـمُنُ في أُفْقِهِ لِشَعْبِ سَعيدِ
أَوْهَمَتْنا: أَنَّا صِغَارٌ.. وأَنَّا ليسَ نَقْوى'، على احتمالِ الحَديدِ
وَبِأَنَّ الحَيَاةَ، إِنْ لمْ يُمَرِّنْـ ـهَا صِراعُ القُوى' كَحُلْمٍ بَديدِ
وَبِأَنا إِذا لَهَوْنَا وَضَمتْـ ـنا اللَّيالِيْ.. في لُعْبَةِ التمجيدِ
حيثُ يَخْتَالُ: في مَرَابِعِنَا الـ ـسَّيِّدُ حُرَّاً يَرْعى شُؤُونَ المَسُودِ
ثمَّ يحنوْ على جراحِ أَمَانيـ ـنا بِرِفْقِ الأَبِ الأَبَرِّ الحَمِيدِ
وََيُغََنِّي لنا: لِنَعْلَمَ أَنَّ الـ ـصَّبْرَ.. نَبْعٌ مِنَ الهَنَا والسُّعُودِ(8)
وَبَأَنَّا: إِذا قَنِعْنَا بما نُـعْـ ـطَى فَلَمْ نَبْغِ ما وراءَ الحدودِ
سوفَ نُجْزَى' على الجميلِ ونغدو مَثلاً رائعاً لجيلٍ جَديدٍ
لُغَةٌ لم نَجِدْ بها غَيْرَ أَلْفَا ظٍ.. وفيْضٍ مِنْ كَاذِباتِ الوعودِ
خَدَّرَتْنَا: وكانَ ما كانَ.. مِمَّا ليسَ نُبْديهِ مِن دُجىً وقُيُودِ

 

****

 
أُمَّتي: أَنْتِ هَا هُنَا.. وصدى' الذِّكْـ ـرى.. يُثيرُ الأَسى بِقَلْبِ الحَسُودِ
إِنَّها عِيْدُكِ الحَبيبُ وَلَكِنْ أَيُّ سرٍّ يُطوى' وراءَ العيدِ
ما لَهُ سارَ.. مُثْقَلَ الخَطْوِ حَيْرا نَ.. يَجُرُّ الخُطَى بِفِكْرٍ شَرودِ
أَتُراهُ جَرَى' فَشَاهَدَ ذِكْرا هُ .. بِآفَاقِنَا نَذِيْرَ جُمُودِ
كلُّ ما عِنْدَنَا إِذا مَرَّتِ الذِّكْـ ـرَى.. نَشِيْدٌ مُلَوَّنُ التَّرْديدِ
لَمْ نقِفْ عِنْدَهَا: لِنَفْهَمَ سرَّ النَّصْرِ.. في دَعْوةِ النبيِّ المجيدِ
.. إِنَّه دينُهُ العظيمُ يُرِيْنَا في مجالِ السَّمَاءِ سِرَّ الصُّعودِ
وَيُغَذِّي حَيَاتَنَا.. بِرَبيعٍ مِنْ هُدَاهُ سَمْحٍ وَنَبْعٍ بَرودِ
وَحِّدِي في لوائِهِ.. خُطْوَةَ الدَّرْ بِ وَسيريْ إِلى الصَّرَاحِ المَشِيْدِ
حَيْثُ لا بائِسٌ يموتُ مِنَ الفَقْـ ـرِ.. ولا سَامرٌ صريعُ نُهُودِ
وانْفُضي عَنْكِ مِنْ غُبَارِ اللياليْ السودِ طيفَ الكَرَى، وَعَهْدَ الرُّقودِ
وابْدَئيهِ، تاريخَ عَهْدٍ، يَضُمُّ الـ ـمَجْدَ، مَا بينَ طَارفٍ وَتَليدِ

****

يا رسولَ الحَيَاةِ: شكوىً طَوَيْنا الـ ـدَّرْبَ في الليلِ في ظِلالِ الجُحُودِ
كلَّ يومٍ لنا طريقٌ: يُمَنِّيـ ـنَا بِأُفْقٍ يسمو عَنِ التَّحْديدِ
وَمَبَادٍ تَصَارَعَتْ في حنايا نَا.. فَكُلٌّ يُومي لنا بِالمزيدِ
وَجَرَيْنَا في البحرِ.. والأُفْقُ يقتا دُ شُعَاعَ الصَّبَاحِ نَحْوَ الخُمُودِ
وَهَديرُ الأَمواجِ يَقْتَحِمُ الزَّو رَقَ والرِّيحُ في هِيَاجٍ شَدِيدِ
وَتَرَكْنَا في البَرِّ زورَقَكَ الها دِيْ وَسِرْنَا بِزَورقٍ مِنْ وُعُودِ
هَكذا.. نحنُ مُسْلِمُونَ.. وَلكِنْ بينَ كَأْسِ الهوى وحُمْرِ الخُدُودِ
ليسَ ندريْ مِنْ أَمرِنا غَيْرَ أَنَّا نَمْلأُ الأُفْقَ ضَجَّةً بالعَديدِ
أيْنَ روحُ الإسلامِ تَغْمُرُ دُنْيَا نَا. وأَيْنَ الأَنصَارُ بينَ الجُنُودِ
ذَهَبَتْ: غَيْرَ أَنَّنَا ها هُنَا نَرْ نُو بِشَوْقٍ إلى دِمَاءِ الشَّهيدِ
وَهُنَا نَحْنُ: أَعْيُنٌ تَرْمُقُ الفَجْـ ـرَ وَأَيْدٍ تَشُلُّ كَفَّ الحَقُودِ
سَوفَ نجريْ، وَمَشْعَلُ الحَقِّ يَهْدِيـ ـنا إِلى نَهْجِكَ العظيمِ السَّديدِ
وسَيَبْقى' صَدَاكَ يَبْتَدِعُ الوعْـ ـيَ بِأعْمَاقِنَا لِفَجْرٍ وَلُودِ
وَصَدَى' الحَقِّ يَقْظَةٌ وَحَيَاةٌ يَسْكُبُ الحُبُّ عِطْرَها في النَّشيدِ( * )

****

النجف الأشرف: 8/1/1374هـ

 

( * ) ألقيت في الحفلة الكبرى التي أقامتها مدينة سوق الشيوخ العراق بمناسبة المولد النبوي الشريف في ليلة 17 ربيع الأول سنة 1374هـ. ونشرت في كتاب (مولد النور) الذي صدر بهذه المناسبة.. وفي العدد الثاني من مجلة العرفان مجلد 44 ت2 سنة 1956م، ربيع أول سنة1376هـ

(1) الميد: التحرك والميل.

(2) غيد: مفردها غادة، المرأة اللينة الناعمة.

(3) تستاف: تشمّ.

(4) الرغيد: طيب، واسع.

(5) عسف: ظلم.

(6) بُلغة: كفاية قوت.

(7) هصر: جذب.

(8) السُّعُود: م السّعد: اليمن، وهو نقيض النحس.