• لا بأس على الإنسان أن يخطأ ولا يصيب الحقيقة فهذا أمر طبيعي من مكونات وماهية الطبيعة البشرية لأن الخطأ وارد دائما في تصرفات البشر وحياتهم كونها تشكل جزء من مسيرتهم عبر التاريخ، لذلك على الإنسان عندما يقيم ويوصف حادثة أو إنسان آخر أن يدرك هذه الحقيقة ويعي أن من يقف أمامه هو بشر وليس ملاك لا يخطأ أو يذنب. أقول هذا الكلام لأن على الإنسان أن يتواضع في هذا العالم وأن يدرك ببصيرة ثاقبة أن لا شيء يرفع مقامه ويعطيه معناه الإنساني إلا التواضع والأخلاق فهكذا كانت شيم من صنعوا التاريخ.

    هل أخطأ السيد فضل الله:

    بناءا على ما تقدم وبالمطلق العام لا يوجد أي إنسان يستطيع تجنب الأخطاء. والسؤال الذي يطرح: هل أنا أو غيري مؤهلين لأن نقول عن السيد فضل الله أنه أخطأ أو لاء؟ بالطبع هكذا حكم بحاجة إلى من يمتلكون نفس مستوى تفكيره فيحاسبوه ويحاسبهم وكونه بلغ مرتبة الإجتهاد فلا أحد في هذا الكون يستطيع أن يحاججه إلا من كان مرجع. وسؤال آخر في نفس السياق، هل من المبرر في حال أن السيد إرتكب خطأ أن يوصف بهكذا عبارات بذيئة لا تمت للأخلاق بصلة؟

  • المشكلة تعدت حدود أخطأ أو لم يخطأ لتتجاوزها إلى محنة أخلاقية يعاني منها المجتمع الشيعي في منطقة تغلي بالصراعات المذهبية.

  • معروف أن السجالات التي تجري داخل الحوزة ومعروف أيضا الجرأة في النقاشات التي لو وصلت للعامة لكفروا معظم المراجع، لأنه داخل الحوزة هناك فسحة للنقاشات وطرح الأسئلة بين طلاب الحوزة وأساتذتهم ويحق لهم الإستفسار عن كل شيء حتى عن فكرة وجود الله أو عدمه وهذه النقاشات بالجرأة والقوة في الطرح لا يتقبلها العامة لكنها موجودة. فالفقيه يفتي ويطرح أفكاره إنطلاقا من الدليل الذي يمتلكه وليس لتلبية رغبات العامة. هذا مفهوم عمل الحوزة لكن هذا المفهوم تشوه حتى من قبل بعض المراجع فحولوا الإختلاف إلى ذريعة مستغلين عواطف ورغبات العامة ليكفروا غيرهم من المراجع وحتى المفكرين.

  • ضمن هذا الشرح تظهر محنة فضل الله خصوصا أن ما ناقشه وإختلف فيه وكفر على أساسه لم يكن بناءا على رغبة السيد في تأسيس مذهب جديد أو خلق دين آخر بل كان توضيحا وتفسيرا جديدا للعديد من القضايا التاريخية التي عبر التاريخ تراكمت وتحولت إلى عقائد في المذهب الشيعي. فالأحداث التاريخية ليست مقدسة ولا أحد يمتلك الحجة الواضحة او الدليل القطعي على صحتها أو عدمها لكن يمكن من خلال أدوات العلم الحديث تقصي هذه الأحداث وكشف الغطاء عنها. لكن هناك من يريد تقديس كل شيء ومنع العقل من أخذ دوره الطبيعي في مسار تفسير وشرح الدين والمذهب. لقد حاول السيد فضل الله تفسير التاريخ بعقلانية وعلمية بعيدة عن الغرائز ورغبات العامة لأن الحقيقة هي ما أثبتها الدليل لا الرغبة والمزاج. وتناول في بحوثه قضايا إعتبرها الشيعة مقدسة ولكن من الذي قال عنها أنها مقدسة؟ فقهيا ودينيا وقرآنيا هي لا تمت للقدسية بصلة وكل شيء حتى فكرة وجود الله أو عدمه هو مادة للبحث لأن العالم قد تغير والمفاهيم قد تنوعت.

    نجح أو فشل:

    يمتاز الإسلام بأنه ديانة تستهدف البشرية جمعاء لا فئة دون أخرى والدعوة لهذا الدين يجب أن يكون من منطلق إنساني شامل لا منظور ضيق. ولكي تحدث الإنسانية جمعاء عليك أن تحدث العقل فيهم لا المشاعر. فالمشاعر تختلف أمام الحكم على أي قضية أما العقل وبوجود الدليل فلا يمكنه إلا الإثبات أو النفي.

  • لذلك حاول السيد محمد حسين فضل الله محاكاة الإنسانية ليكسبهم على عكس ما يروج التيار المتطرف في المذهب الشيعي بأنهم لا يهمهم من يسلم أو لا يسلم فغايتهم وهدفهم مقتصر على اللحظة التي يعيشون فيها بعكس الرؤية التي يمتلكها فضل الله والتي يخطط فيها إلى الأمام.

    مشكلة فضل الله:

    المشكلة بالسيد فضل الله وقبله العديد من العلماء والمفكرين أنهم يفضحون تيار الكسالى في المذهب الشيعي عندما يظهرون الحقائق للعالم. فالعقلية التقليدية السائدة لدى معظم مراجع الدين وعلمائه قائمة على ترويج الغيبيات وإستغباء العامة لذلك يركزون على ما يخاطب أحاسيس العامة لا مكامن عقولهم وبذلك يضمنون غباء العامة فيخيفوهم من التفكير ويضمنون تبعيتهم لهم. لذلك كان التفكير أول خطوة في مرحلة التحرر عبر التاريخ وفتح آفاق للناس للسؤال والإستيضاح. وهؤلاء " الكسالى" يحاولون دائما تخويف الناس وترهيبهم من السؤال وتحذيرهم بأن ما يطرحوه سيدخلهم جهنم، لذلك إستطاعوا السيطرة على العامة وحل التخلف على مجتمعات الشيعة وساد الحرمان الثقافي وغيره.

  • ما قام به فضل الله هو محاكاة للزمن وتوأمة مع العصر، جلب مفاهيم الإسلام التقليدية وجددها لتحاكي إنسانية البشر في كل زمان ومكان. حول الإسلام إلى عمل وحركة ومؤسسة تحاكي أوجاع الناس وتطلعاتهم وتلبي طموحاتهم. إسلام الكسالى يحول العامة إلى عبيد وأذلاء وخاضعين أما إسلام فضل الله فيحول كل واحد من العامة إلى مفكر ومبدع وحر وحتى فقيه، هو إسلام يحاكي الزمن ويفتح الآفاق، يعطي الأمل ويزرع السعادة أما إسلام الكسالى فهو إسلام الفشل والإحباط والمتاجرة بأهل البيت ولبس الخواتم والطقوس الفارغة من التقوى والشماتة بالموتى ونبش القبور وتجار العزاء وتحويل الناس في مجالس العزاء إلى مجانين وتشويه سيرة الإسلام والحض على الفتنة ومحاربة رسالة واهداف اهل البيت ومهادنة سلاطين الجور والظلم ونشر قلة الأخلاق، فألسنتهم سليطة وألسنتهم لا تعكس إلا أحقاد وأمراض نفسية تراكمت جراء ما يعيشوه من كبت في بيئتهم.

  • لذلك فهؤلاء يجب التعامل معهم كمرضى والمريض بحاجة إلى إعادة تأهيل ومعالجة، وليس عيبا أن يكون الإنسان مريضا لكن العيب هو الإصرار على المرض. فعدم تقبل الآخر وشتمه والتعرض لكرامته هو مرض يشبه مرض التكفير. فبماذا يختلف التكفير عن شتم الآخر وعدم تقبله لأنه خالفه الرأي؟

  • لكنه إنتصر:

    تبنى السيد محمد حسين فضل الله هذا المنهج العملي والدعووي في الإسلام وتعرض لحملات غير منطقية ولا تمت للعقلانية بصلة، فكفروه وشوهوا سيرته وحرفوا مسيرته وتلاعبوا بأقواله وإخترعوا أقوال له وصبوا حقدهم عليه وصوبوا أسهم كراهيتهم عليه.

  • لكنه إنتصر... بالحب إنتصر.

  • أوليس الدين إلا الحب.

  • صدق باقر أهل البيت.