للمرة الثالثة خلال شهر واحد، تكون الشائعات سببا في المزيد من التوتر بين إسلاميين وأقباط في مصر، ما يؤكد أن هناك جهات تسعى إلى الاستفادة من الحساسية المفرطة بين الجانبين، بما قد يؤدي إلى انفجار.
وشائعة بناء كنيسة بقرية كوم اللوفي في محافظة المنيا (جنوب مصر)، كادت تقود إلى أزمة جديدة، حيث قام مسلمون بحرق أربعة منازل على ملك أقباط وطرد أصحابها.

وأصدرت الكنيسة الأرذثوكسية بيانا حول الحادثة، أوضحت فيه “أن مواطنا قبطيا يدعى أشرف خلف، شرع وشقيقه، الأربعاء، في البناء على قطعة أرض مملوكة له، فصارت شائعة مفادها بناء كنيسة، وتدخلت الأجهزة الأمنية على إثرها، واستدعت صاحب المنزل القبطي لأخذ توقيعه على إقرار يفيد بأن البناء معدّ لغرض السكن وليس لآداء الشعائر الدينية”.

واستدرك بيان الكنيسة “لكن ذلك لم يمنع مسلمي القرية من التجمهر والاعتداء على منزل أشرف خلف والعديد من المنازل المملوكة للأقباط”.

وأسفرت تلك الاعتداءات عن حرق 4 منازل وطرد أشرف وجميع أفراد عائلته من منازلهم (لم يحدد عددهم)، وفق نص البيان.

وطالبت الكنيسة الدولة بتعويض وبناء منازل الأقباط التي تم نهبها وحرقها، مشددة على أنه “لا للجلسات العرفية للتصالح إلا بعد تطبيق القانون، والموافقة على تصريح بناء الكنيسة المقدم منذ عشر سنوات في أرض تابعة للمطرانية”.

وجاء الحادث بعد أيام قليلة من سريان شائعة أخرى في أقصى شمال مصر، حيث تعرض أحد مباني الخدمات التابع لكنيسة العذراء بقرية البيضاء في غرب مدينة الإسكندرية، لاعتداءات من جانب محتجين بسبب ما أشيع عن نية تحويل المبنى إلى كنيسة أخرى وتسببت هذه الاعتداءات في اندلاع اشتباكات.

وكانت قرية الكرم بالمنيا قد شهدت أيضا واقعة اعتداء وتعرية سيدة قبطية من قبل مسلمين، في مايو الماضي، بعد سريان معلومات قالت إن ابن السيدة على علاقة بفتاة مسلمة، وتطور الأمر كالعادة إلى اشتباكات بين مسلمين وأقباط أدّى إلى حرق البعض من المنازل.

وفي الوقت الذي يقلل فيه مسؤولون مصريون من أهمية هذه الحوادث، لقي القس رفائيل موسى مصرعه الخميس، أمام باب كنيسته بالعريش في شمال سيناء.

واعترف تنظيم الدولة الإسلامية في “ولاية سيناء”، بمسؤوليته عن الاغتيال، وأصدر بيانا وصف فيه القس بأنه “كافر ومحارب للإسلام”.

وكان عدد من الكنائس في البعض من المحافظات المصرية -غالبيتها في المنيا- قد تعرض للحرق والتدمير، عقب سقوط حكم الإخوان في مصر، وفض اعتصامي ميداني رابعة والنهضة في 14 أغسطس 2013، واتهمت عناصر تابعة للجماعة بتأجيج الفتنة، وجرى القبض على العشرات منهم، قيد المحاكمات الآن.

كادت شائعة بناء كنيسة بقرية كوم اللوفي بمحافظة المنيا (وسط مصر)، أن تقود إلى أزمة جديدة
وفسر مراقبون المبالغة في رد الفعل على ما يسري من شائعات، إلى عدم الثقة الكامنة في العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر، ومحاولة متشددين توظيف الحساسية الشديدة لنشر التوتر، بصورة يمكن أن تفسد العلاقة الجيدة بين النظام الحاكم والكنيسة والمواطنين الأقباط عموما.

ويعتبر الأقباط من أكثر الداعمين لنظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وقد لعبوا دورا مهما في دعم ثورة 30 يونيو 2013، وإسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين.

وقالت مصادر سياسية لـ”العرب” إن بث الشائعات والترويج لها، بل وتضخيمها، عملية معقدة ومتعمدة، المقصود منها نشر العراقيل أمام الرئيس المصري، وزيادة عمق التحديات التي تواجهه في الداخل، ووضعه بين خيار زيادة الدعم للأقباط أو إهمالهم وترك مصيرهم في أيدي جماعات متشددة، وفي الحالتين تتولد مشكلات؛ فإذا بالغ في المساندة اتخذت العناصر المتطرفة ذلك ذريعة لاتهامه بمساعدة الأقباط على حساب المسلمين، وحرضت عليه القطاع العريض من المصريين، وإذا لم يتدخل وزادت المشاحنات ضد الأقباط، اتخذتها البعض من المنظمات الدولية فرصة لاتهام النظام بعدم قدرته على حماية الأقباط، ومواجهة ضغوط جديدة.

ولكن متابعين يحملون الحكومة أيضا جزءا من مسؤولية تكرار الحوادث بين المسلمين والأقباط في ظل فشلها في علاج الأزمات مبكرا، كما أن القيادات المحلية تعتمد على الجلسات العرفية للمصالحة، بحجة وأد الفتنة ومحاصرة التداعيات السياسية، وهو ما يعني تغييب القانون، فكل طرف يعتقد أن أي اعتداء يمكن إطفاء نيرانه بجلسة صلح عرفية وينتهي.

واقتصرت المؤسسات الرسمية المسلمة، على إصدار بيانات إدانة وشجب روتينية، وأهملت مواجهة الأزمات بطريقة جذرية، الأمر الذي ساهم في تهميش دور مؤسسة مثل الأزهر أو وزارة الأوقاف أو دار الإفتاء، والتي لم تعد تعبأ جهات كنسية كثيرة بمواقفها.


العرب