عكس قرار الهيئة السياسية للكتائب اللبنانية بإقالة وزير العمل سجعان قزي من الحزب، تصميما من القيادة الشابة على سلك طريق مغاير عما عهده الحزب خلال العقود الماضية.

ورفض قزي تقديم استقالته من الحكومة، الأمر الذي أثار حنق رئيس الحزب الشاب سامي الجميل. وكان الجميل قد أطل منذ أيام معلنا أنه لم يعد بالإمكان استمرار الحزب في الحكومة التي فقدت صلاحيتها.

وجاء إعلان رئيس الحزب، بالتزامن مع احتفاله بمرور عام على توليه دفة القيادة.

ولقرار “الكتائب” بقيادة الجميل، ابن رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل، حسابات تتعلق بميدان العمل داخل الجمهور المسيحي. فقد أثبتت الانتخابات البلدية الأخيرة قدرة الحزب على الخروج بنتائج تجعله ندا طموحا للثنائي التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية.

وإذا ما رفع الثنائي شعارات الدفاع عن حقوق المسيحيين، فإن سامي الجميل يريد أن يثبت حزبه رافعة مسيحية أساسية قبل عام من الانتخابات التشريعية المقبلة.

ولا يحظى قرار سامي الجميل بسحب حزبه من الحكومة بموافقة والده أمين الجميل، الذي نصح مستشاره الوزير سجعان قزي بالالتزام بقرار الابن، رغم أنه لم يهضم فكرة خروج الحزب من حكومة من غير المعروف انتهاء صلاحيتها في غياب رئيس للجمهورية.

لكن العارفين ببواطن الأمور يهمسون أيضاً أن الجميل الابن، الذي ثبّت أقدامه زعيما وحيدا لأعرق الأحزاب المسيحية وأقدمها منذ الاستقلال، يريد التخلّص من وزر حرس قديم متناسل من زعامة الأب والجد داخل الحزب، على ما يفسر سرعة الحسم في قرار طرد الوزير المتمرد قزي.

ويقول قزي إنه كان في العشرين من عمره شريكا في القرار إلى جانب الرئيس بشير الجميل (اغتيل عام 1982)، ولن يقبل في الستين أن يكون مجرد منفذ لقرار. وللرجل صولات وجولات داخل المشهد المسيحي اللبناني كان أهمها اقترابه من إيلي حبيقة، أحد قادة القوات اللبنانية، الذي عينه رئيسا لتحرير صحيفة العمل الناطقة باسم حزب الكتائب بعد أن قامت القوات، في انتفاضة ضد الحزب قبل ثلاثة عقود، باحتلال مكاتبها ووضعت رئيس تحريرها آنذاك، جوزيف أبو خليل، قيد الإقامة الجبرية.

ويلمح مراقبون في لبنان إلى أن أبوخليل، النائب الأول لرئيس الحزب، والكتائب نفسها صفّوا حسابا قديما يعود إلى فترة الحرب الأهلية، لكن سجعان قزي البراغماتي الكبير سيجد موقعا مناسبا داخل المشهد السياسي المسيحي، فيما ترصد بعض الأوساط أنه يحاول مدّ جسور مع تيار ميشال عون.

بمعنى آخر فإن الحراك الذي أحدثه قرار سامي الجميل في استقالة وزرائه من الحكومة وإقالة وزيره من الحزب يدخل ضمن حسابات مسيحية داخلية لا تؤثر على لبنان ولا حكومته ولن تحمل أي علاج لأزماته.

ولئن نُقل عن سامي الجميل أن الاستقالة من الحكومة ليست آخر الإجراءات التي سيتخذها حزب “الكتائب”، وأن تدابير أخرى قادمة ستفاجئ الجميع، فإن المراقبين لا يرون أن باستطاعة الحزب أن يصعّد أكثر مما فعل قبل ذلك التيار الوطني الحر الذي لجأ في أكثر من مناسبة إلى الشارع وأطلق مسيراته، دون أن يغير ذلك شيئا من شكل التوازنات في البلد.

وقد لا يجد المتابعون للحدث الكتائبي من الأمر إلا شيئا وحيدا هو التخلّص من عنصر “غير مرغوب فيه” منذ زمن، سجعان قزي.

 
 
 


العرب