تمهيد: بعد السلام والتحية، لا تخف فضيلة الشيخ ولا تحزن، فماذا يعني سحب الجنسية منك في بلدٍ تعتبر أنّك فيه فاقد الحقوق والكرامة البشرية؟ فها هي ملايين البشر، من أبناء قومك وجنسك وديانتك ، يتركون وراءهم الأوطان والديار والأهل، ويفرّون بأولادهم عبر البحار، فيركبون الصعب، ويشهدون الأهوال، قبل الوصول إلى بلاد لم تطأها أقدامهم قبلا، بحثاً عن جنسية تقيهم غوائل الدهر، وتبعدهم عن ظلم ذوي القربى والحكام الظلمة، ولعلّ أهون ما ألقوه عن كواهلهم هي الجنسية السورية والعراقية ،أو اللبنانية أو الفلسطينية ،أو التونسية، أو ما شابه ذلك أو قاربه.

 نعم يا شيخنا العزيز، دع عنك موضوع الجنسية وسحبها من قبل حكام البحرين، دعها للذين سيتاجرون بها، لعلّها تخدم قضاياهم المزيفة، ودع المتاجرين بحقوق الإنسان( ولعلهم أول من ينتهكون هذه الحقوق) يتفرّغون لأهدافهم واهوائهم ، فهم عنك وعن حقوق الإنسان غافلون أصلاً، ودعنا نتفرغ لمناقشة ما تبقّى لديك "ولدينا"، وهي الهوية، فهي خيرٌ وأبقى، ولا يستطيع احدٌ أن ينازعك الهوية، فهي ملازمة لك ولنا ملازمة الروح للجسد.

 أولاً : الهوية العربية.. إذا كنت تشعر، فضيلة الشيخ، وتُؤمن ، وتوقن، بأنّك ما زلت عربياً ، فهذه وحدها فضيلة، فتكون بذلك لم تغادر " خير أمّةٍ أُخرجت للناس"، رغم أنّها ، وبفعل الحروب والصراعات ، وبكل أسف ، أمة تطايرت شظايا، فقد تشظّت منذ الثمانينيات ومطالع التسعينات أمماً ثلاثاً على الأقل، يقاتل بعضهم بعضا، ويضرب بعضهم رقاب بعض، وعندما تثور الحروب والنزاعات الأهلية ، ألا يحقُّ لنا أن نتساءل عندها: هل يقتصر العدو، بعد الذي حصل، على العدو الصهيوني، أو أميركا الشيطان الأكبر؟ أم نستطيع أن نقول عندها بأنّ الانقسام (وأخطره المذهبي) عدو، والصحافة المراقبة أو المرتهنة عدو، وشراء أسلحة تُدمّر كلّ عقدٍ من الزمن عدو، وبيع مخزون النفط لتعزيز اقتصاد "العدو" عدو؟ وعند ذلك، ألا يحسُنُ بالمرء أن يُلمّ ببعض أصول الهندسة الزراعية وبشيء من الأخلاق؟ فالشجرة عندما تُسوّس وينخرُ اثمارها الدود، يحسن بالعاقل أن ينصرف إلى معالجة الشجرة، لا أن يتلهّى بأكل الثمار، فإذا كانت هذه الأمة هي الشجرة، فالسياسة هي الثمرة، السياسة، بدل أن تكون هي مركز تحقيق الطموحات الإنسانية، غدت في "بلادنا العربية" ثمرة ينخرها الدود والعفن، وعلى غصن من أغصان شجرة مسوّسة، ولم تعد صالحة لتقطفها النفسُ الأبية، رعاك الله يا شيخنا الموقّر.

 ثانياً: الهوية الإسلامية.. إذا كانت العروبة ليست الملاذ الآمن، ولا تعصمك في دنيا ولا أخرة، فهل الهوية الإسلامية ما زالت صالحة في زماننا هذا؟، بعد أن تشظّت هي الأخرى وتطايرت اشعتها، فقد سبق للمملكة العربية السعودية، بعد غزو القائد المسلم صدام حسين للكويت، أن استقبلت على أرض الإسلام جيوش "الكفار" من كل حدب وصوب، وحاكم العراق الراحل صدام حسين ،والذي اكتشف إسلامه متأخراً، فراح يستغيثُ باسمه، وما لبث أن أعمل القتل بالشيعة والاكراد "المسلمين" بالالوف بعد أن قتل الإيرانيين" المسلمين" بعشرات الآلاف، وتركيا المسلمة، أليست غنمة في حظيرة حلف الأطلسي الكافرة، ويا رعاك الله، ألا تذكر عندما أقدم إمامٌ مقدس السر على قتل عددٍ كبيرٍ من الأكراد على الشُبهة( التي لا تقتصر إذن على المغيرة والحجاج مثلا)، ثمّ لا يلبث أن أن يتبيّن له خطأ الشبهة، فيخاطب من بقي على قيد الحياة من القوم بقوله: إنّ البعثة الحكومية تثبّتت أنّكم لا ترغبون في الانفصال عن إيران والإسلام.. لقد افتُري عليكم عندما عوملتم كمتآمرين، ( صحُف ١٨ تشرين الثاني ١٩٧٩). ولن نعلّق اليوم على ما مضى وأمسى في ذمة التاريخ، لكن يا مولانا، ماذا عن النفس التي حرّم الله قتلها إلاّ بالحقّ؟ أم أن آلافاً مؤلّفة من البشر، ومن بينها الأطفال والنساء والمسالمون، إنّما يُقتلون بالحقّ وفي سبيل الله، وتحت صيحات : الله أكبر من كل حدب وصوب.

وكي لا أطيل عليك الكلام في محنتك هذه، والتي أرجو أن تخرج منها مُعافى، فإذا كانت الهوية العربية والإسلامية التي طالما افتخرنا بها ، هذه حالها، فهل يأسى الإنسان على جنسية لا تغني ولا تفكّ مغيصاً واشكر ربّك مولانا أنّك لم تقع يوما بين يدي الراحلين صدام وحافظ أو ولد الأخير، أو بين يدي نظام كنظام الراحل القذافي، أو بين يدي ملالي إيران، فهؤلاء جميعا لا تعنيهم عقوبة سحب الجنسية في شيء، ولعلّ الشهيد النمر، مازال مثالا حياً ، ولم تجفّ دماؤه بعد، والسلام عليكم وعلى من اتّبع الهدى.