تمهيد: الرئاسة الشاغرة..

لم تتمكن الزمرة السياسية من انتخاب رئيس للجمهورية منذ أكثر من عامين، مما تسبب بخراب عام في انتظام المؤسسات الدستورية وما يتبع هذه المؤسسات، حتى بتنا اليوم في سُباتٍ عميق، لم تنجح مبادرات الخارج ومعها مبادرات الداخل، لا بل إنّ الوهن والارتباك أصابا الأحزاب والتنظيمات السياسية بعدوى الشلل المتمادي.

أولاً: الكتائب..

نبدأ بأزمة الكتائب الأخيرة التي أفضت إلى فصل قيادي مخضرم في الحزب، وزير العمل الحالي السيد سجعان قزّي. فالحزب بقيادة الشاب سامي الجميل قيّد حركته ومواقفه السياسية أخيرا ببعض الطروحات المبدئية والمواقف المتصلبة، انطلاقا من ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية قبل الانصراف إلى أيّ شأن آخر، وهذا ما أدّى ويؤدي إلى الشطط في اتخاذ بعض المواقف، فاستقالة وزراء الحزب لا معنى لها ، إلاّ إذا كان المطلوب المزيد من الارباك الذي تعاني منه الحكومة العرجاء أصلا، والتي يتمسك بها المواطنون المغلوبون على أمرهم، ويعرف الجميل أنّ أية خطوة احتجاجية تذهب سُدى ، بلا عنوان ولا هدف بغياب رئيس الجمهورية، وطالما أنّ الشلل في رأس الدولة فها هو يربك عمل حزب كحزب الكتائب،ويتركه عرضة للضعف والوهن.

ثانياً: المستقبل والقوات..

بدأت أزمة الارباك في تيار المستقبل، مع اضطراب رؤاهُ السياسية منذ لحظة تبني السيد سعد الحريري ترشيح الوزير فرنجية لمنصب الرئاسة، وقد أفضت هذه المبادرة الفردية ،غير المنسّقة مع أنصاره أولا ومع حلفائه تالياً، إلى حدوث شرخٍ عظيم في تيار ١٤ آذار وخاصة مع القوات اللبنانية، التي اضطرت للدخول في مرحلة جمود العلاقة مع المستقبل ايذاناً بالوصول إلى فراق اضطراري كرّسته مصالحة عون-جعجع، وترشيح عون للرئاسة من القوات، وهذا ما زاد المواقف السياسية دراميةً وهزلاً وهو على كل حال لم يؤت أُكُله ،بل زاد حالة الارباك في التنظيمين، مع تفاقم حالة القرف والحيرة عند المواطنين الغافلين.

ثالثاً: حزب الله..

يسود اعتقادٌ راسخ بأنّ حزب الله يُعطّل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ذلك أنّ الحزب المنخرط في حربٍ طاحنة في سوريا، يحتفظ لنفسه بحرية الحركة والتصرُّف في ظل غياب رأس الدولة. لذا يظهر الحزب بمظهر المستفيد الأول من خلو سدّة الرئاسة. إلاّ أنّ التطورات الميدانية الأخيرة في ساحة القتال السورية، وتعاظم خسائر الحزب البشرية، وتعالي مناشدات الخروج من حمأة هذا الصراع الضاري، تُظهر مدى حاجة الحزب إلى انتظام عمل المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها انتخاب رئيس جديد، فوجود المؤسسات الفاعلة، قد تلجم الاندفاعة الحزب اللهية باتجاه الخارج اللبناني، فالمؤسسات لا يمكن لها التغاضي كثيرا عن انتهاك السيادة اللبنانية من جهة، ومن جهة أخرى تضطر قيادة الحزب إلى مراعاة الأصول الدستورية واحترامها. ولعلّ وضع الحزب المتورط في سوريا بغياب الدولة الرادعة، يصح فيه المثل الشعبي الدارج: لا بنت عاقلة، ولا أم تردها.

رابعاً: أمل والحزب الديمقراطي الاشتراكي..

لم تظهر علامات إرباك أو ضيق من غياب رئيس الجمهورية لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري ،أو لدى حركة أمل، فالرئيس الذي تقدّمت به السن "مرتاح على وضعه"، يقبع في كرسي رئاسة مجلس النواب منذ ربع قرن تقريبا، يتمتّع بخيرات الدولة ، ويُوزّع الفيء والمغانم على المحازبين والازلام، وبسبب غياب الحيوية الديمقراطية في حركة أمل، لا نجد أثرا يُذكر للخلل الحاصل في سدة الرئاسة، وكذلك الأمر في الحزب الديمقراطي الاشتراكي، فالسيد وليد جنبلاط لم يتأثر من غياب الرئيس بشكل ملحوظ.

يبقى أنّ الرئاسة الشاغرة هي أم المصائب.والتي تتناسل منها المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وتنامي ضاهرة الفساد، وانحطاط الحياة السياسية والتي بدأت تدب في أوصال أحزاب لطالما تطلّع إليها المواطنون كصمام أمان لوجودهم وحياتهم ومستقبلهم، وللأسف،النظام في أزمة، والأحزاب في أزمة، والمواطنون على محكّ الانتظار.