عادت حلب إلى واجهة الأحداث من جديد بعد الضربات القاسية التي تلقاها النظام السوري وحلفائه خصوصا حزب الله وفقدان العديد من المناطق المهمة في الريف الجنوبي والشمالي حتى وصلت قوات المعارضة لحدود الحاضر وتدور حاليا الإشتباكات على مداخلها ومن المرجح سقوطها.

 الدور الروسي المخفي:

 

 عندما أعلنت روسيا إنسحابها الجزئي حار الجميع في الأمر وعندما حررت تدمر سوق إعلام الممانعة لدعاية قوامها أن الروس خدعوا أميركا والعالم والحقيقة أنهم هم من خدعوا.

 ما يجري اليوم في حلب هو مرتبط بتلك اللحظة السياسية عند إعلان الإنسحاب التي ترافقت مع بدء المفاوضات في جنيف، حينها كان الإنسحاب ظاهريا كنوع من الدعم لهذه المفاوضات ولكنها في العمق تحمل رسائل قوية موجهة للجميع وبالأخص لبشار الأسد.

يصر بشار الأسد على العيش في عالمه الخاص، يعتقد أنه يخادع العالم وحلفائه، لا ينظر إلى خارج حدود مملكته الخاصة ويعمم ما يراه في عينيه على كافة سوريا.

في الصيف الماضي كاد نظامه أن يسقط، حينها أعلن عن تمسكه بالحل السياسي وجاء الروسي من أجل هدفين: حماية مصالحه الإقتصادية وتأمينها من خلال حفظ مؤسسات الدولة السورية وأهمها الجيش والهدف الثاني الدفع نحو عملية مفاوضات بين المعارضة والنظام.

أخطأ الأسد حين إعتقد أن الحفاظ على المؤسسات السورية تعني بقاؤه في السلطة، لذلك إستثمر إعلامه كل عبارة كانت ترد في هذا المجال في المفاوضات ليأولها على أنها تراجع من قبل الغرب عن إسقاطه. ومن الصيف الماضي إلى أوائل الربيع، إختلف خطاب الأسد وعاد إلى النغمة الأولى في بداية الأزمة السورية، فوصف معارضيه جميعا بالإرهابيين وجدد دعوته إلى إسترجاع كل سوريا.

معادلة الأسد كانت كالآتي: عندما يخسر مناطق جغرافية ينادي بالحل السياسي وعندما تميل الكفة لصالحه يدعو إلى بسط سيطرته على كافة أرجاء سوريا. هذه المعادلة جزء من هوية الأزمة السورية وسبب أساسي لإطالتها. لكن الروس لهم معادلتهم الخاصة، فالروسي ينظر إلى الأمور من منظور دولي لا محلي بحت وبعيدا عن حسابات ضيقة يراها النظام وحلفائه. فألف شيء وأمر يختلف فيه الروسي مع الإيراني والسوري، وهم بالأساس غير متشابهين ومختلفين لسلة المصالح التي يحملها كل منهم.

 وضع الروسي معادلته الخاصة، إعادة التوازن العسكري في الميدان والذهاب إلى مفاوضات يتقاسم فيها الطرفان السلطة. لكن الأسد عندما عاد وإستلم جيشه زمام الأمور عرقل المفاوضات وجدد المطالبة بالحسم.

العودة إلى الوضوح:

                     

الوضوح هو الميدان وهو الفيصل، فالروسي يمارس مهنة المعلم والتلميذ مع النظام السوري، والضربات القاسية التي تلقاها النظام وحلفائه هي ضربات تأديبية للعودة إلى طاولة المفاوضات. ويستخدم الروسي من أجل إنجاح هذا الهدف خطة الهدنة من فترة إلى أخرى، لكن المعارضة السورية إستغلتها في كثير من الأحيان وفي ظل غياب الغطاء الجوي لحماية النظام السوري وحلفائه إستطاعت أن تسيطر على العديد من القرى في أرياف حلب.

الروسي يستمر في تأديب النظام وخصوصا الأسد ولا يوفر مناسبة إلا ويرسل فيها رسالة سياسية لأميركا عن إستعداده للتفاوض على مستقبل الأسد. هذا ما أعلنته بعض وسائل الإعلام منذ يومين عن وعد تلقاه الأميركيون من الروس بالتخلي عن بشار الأسد. أضف أن مجرد تهديد واحد من كيري للروس كان كفيلا بجعل الروس يثبتون قواعد الهدنة من جديد في حلب.

 حلب ساحة إختبار:

 

 تحولت حلب إلى ساحة إختبار بين جميع القوى وعكست حقيقة جلية أن النظام يعاني كثيرا في حلب والمعارضة بكافة أشكالها وأوجهها الإرهابية منها أو المعتدلة لها اليد الطولى في هذه المنطقة المهمة، وهذا الأمر يزعج النظام لأنه يشكل حجر عثرة له أمام تحقيق مكاسبه في المفاوضات، والنظام لن يقبل إلا بكسر شوكة حلب فيما المعارضة تستثمر في هذا العناد لجلبه نحو معركة إستنزاف هو وحلفائه كالتي تجري اليوم وما يرافقها من خسائر بشرية هائلة.

 الأميركي يدير اللعبة:

 

في وقت البدل الضائع يتمهل الأميركي في سياسته وإستراتيجيته فالجميع يستنزفون وحليفته إسرائيل مرتاحة للمشهد السوري وهذا لصالحه، لكنه يرسل رسائل لمن يهمهم الأمر في نفس الوقت أن لصبره حدود ورسائل الديبلوماسيين التي أرسلت لأوباما لضرب الأسد قد تتحول خطط تنفيذية بين ليلة وضحاها.

يشكل الأميركي نموذجه " الجميل" في منبج والكنتون الكردي قبل بدء الإنتخابات الرئاسية ليري العالم نتائج سياسته في سوريا قبل أن يعود إلى حلب للحسم على قاعدة المفاوضات. يشاركه الفرنسي والألماني في الميدان، والتركي والسعودي يراقبون على مضض, فيما الروسي إختار طريق الحوار وعدم الإستفزاز فأدرك خطوط أميركا الحمراء وإلتزم بها والأهم أنه أمن على مصالح إسرائيل.

 لوقتها، ستبقى حلب تراوح مكانها بإنتظار الرئيس الأميركي الموعود، ورائحة الموت ستزداد.