لم تحمل خطة المنامة إغلاق مقرات جمعية الوفاق الإسلامية، والتحفظ على أرصدتها في المصارف، مفاجأة كبيرة، فالعلاقة الثنائية بين الطرفين، جمعية الوفاق والسلطات البحرينية، شديدة السلبية، ومحكومة بالتصعيد. فمن جهةٍ، تعتبر السلطات جمعية الوفاق طائفية تعكّر صفو الأمن في البلاد، وتهدد النسيج الاجتماعي، وتحمل أجنداتٍ خارجيةً، وتنشر مناخا من العداء اللفظي والسياسي، وتشجع على الخروج على القانون والنظام. فيما تشكك "الوفاق" بشرعية النظام، وتعتبره يستهدفها كمعارضة في سياق عدم تقبل أية معارضة، وأن النظام، حسب الجميع، يفرّط بالسيادة لاستعانته بـ" درع الجزيرة" وبقوات خليجية. 
ليست هناك منطقة وسطى للقاء بين الجانبين. ربما كانت هناك فرصة لحلول وسطى قبل أربعة أعوام، مثلاً، عندما كان الحوار الوطني قائماً، لكن الأمر أخذ منحىً سلبياً متزايداً، متأثرا بالأجواء الإقليمية واتساع مدى المطامح الإيرانية المقرونة بالتدخلات. وتعتبر المنامة "الوفاق" ذراعاً احتياطياً لإيران، وهو ما لا تقبل به الجمعية التي لا تبدي، في الوقت نفسه، أي افتراق أو تباين في خطابها السياسي والإعلامي عن الخطاب الإيراني في ما يتعلق بشؤون المنطقة، وحتى بما يتصل بالوضع الداخلي في البحرين. رئيس الجمعية علي سلمان معتقل، وصدر ضده حكم ابتدائي بالسجن أربع سنوات، وقد استأنفت النيابة العامة (الادعاء العام) الحكم، فصدر قرار قضائي عن محكمة الاستئناف، في 30 مايو/ أيار الماضي، برفع عقوبة السجن إلى تسعة أعوام. 
توقف الحوار الحكومي، بمختلف أشكاله، مع جمعية الوفاق التي نشأت في العام 2001، وورثت حركة "أحرار البحرين الإسلامية". وعلى الرغم من غنى المشهد السياسي في البحرين، إلا أنه ليست هناك للأسف قوى وسطية وازنة مرشحة للإسهام في وقف مناخ التصعيد، وجمعية الوفاق، من جهتها، مفعمة بخطاب أيديولوجي قصووي، وتهجس بـ "إسقاط النظام"، معتقدةً أن أجواء الربيع العربي، قبل خمس سنوات ونصف السنة، تجيز هذا الخيار، قياساً على ما حدث في تونس ومصر وليبيا (!). علماً أن موجة الربيع شملت دولاً أخرى، مثل الجزائر والمغرب والأردن، شهدت قدراً من الإصلاحات الدستورية، ولم يتم فيها أبداً رفع شعار إسقاط النظام. 

ثمّة قرار سياسي بوضع حد لوجود جمعية الوفاق، وقد رفعت وزارة الشؤون والأوقاف 
الإسلامية الدعوى، "لما قامت به الجمعية من ممارساتٍ استهدفت، وما زالت تستهدف، مبدأ احترام حكم القانون، وأسس المواطنة المبنية على التعايش والتسامح واحترام الآخر، وتوفير بيئة حاضنةً للإرهاب والتطرّف والعنف، فضلا عن استدعاء التدخلات الخارجية في الشأن الوطني الداخلي"، إلا أن الفصل لم يتم بخصوص وضع الجمعية، وتم إرجاؤه إلى أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. على الرغم من ذلك، سارعت السلطات إلى وضع اليد على مقرّات الجمعية، وجمّدت حساباتها في المصارف. والقرار تكراراً لا يحمل مفاجأة، فهو تتويج لخط تصاعدي من توتر العلاقات، غذّته التطورات الإقليمية، ومنها حرب عاصفة الحزم في اليمن ضد الانقلابيين الحوثيين، والمخاوف الخليجية المتزايدة، والمشروعة، من اتساع رقعة التدخلات الإيرانية، وهو ما أدى إلى اتخاذ الموقف من حزب الله، وحظر أي وجود له، ولمناصريه وداعميه، في دول مجلس التعاون. 
ويأتي الموقف من جمعية الوفاق الإسلامية في هذا السياق، ويتعدّى كونه مجرد إجراء حكومي ضد جمعية محلية، إذ يأتي جزءاً من المواجهة السياسية مع إيران التي لا تخفي مطامعها في البحرين بالذات، ونوعاً من التحصين الذاتي. وقد أسقطت السلطات، قبل أيام، الجنسية عن أربعة من رجال الشرطة، تم الطعن بولائهم للبلاد وللنظام، وإسقاط الجنسية أمرٌ، بحد ذاته، مثير للجدل، فتجريم متهم بصورةٍ مستوفيةٍ أحكام العدالة يكفي، بما قد يتضمنه من عقوبة مشددة، من دون الحاجة لإسقاط الجنسية التي تبقى حقاً لحاملها ولذويه، إلا إذا ثبت أن حملها من طرف صاحبها تشوبه شوائب قانونية، تملي مراجعة "ملفّه". 
تحفظت وزارة الخارجية الأميركية على قرار إغلاق مقرّات الجمعية، والنزع الفعلي للشرعية عنها، ودعت المنامة إلى مراجعة قرارها هذا. والواضح أن هذا الموقف، المفهوم من الناحية المبدئية، يضرب صفحاً عن الملابسات السياسية، والأجواء المحتقنة في المنطقة، والوضع الذي يقترب من وضع الطوارئ في مملكة البحرين الذي أدى إلى اتخاذ هذا القرار الاستثنائي. علماً أنه، في ظروف عادية وحتى شبه طبيعية، فإن المرء كان سيتحفّظ، بطبيعة الحال، بأوضح العبارات على التضييق على جمعيةٍ مرخصة، علماً أن ترخيص "الوفاق" لا ينص على الحق في مزاولة النشاط السياسي شبه الحزبي، بيد أن الظروف القائمة بدورها استثنائية، وساهمت واشنطن بنشوء هذه الظروف، إلى درجةٍ باتت معها طهران تعتبر أن من حقها التدخل في أي بلد عربي (لحسن نصرالله عبارة باتت ذائعة: سنكون حيث يجب أن نكون)، ومن حقها أن تقدّم طهران كل دعمٍ ممكنٍ لأية جماعة محلية، هنا وهناك، تلتقي في رؤاها مع الرؤى الإيرانية، بما يشكل إخلالاً جسيماً بالعلاقات بين الدول، وبالنسيج الاجتماعي والوطني، ويثير أسوأ أشكال الفوضى وأخطرها. 
ليس معلوماً ما الخطوات اللاحقة التي ستتخذها السلطات، وكذلك جمعية الوفاق التي قد تتحول، بفعل هذه التطورات، إلى جمعيةٍ شبه سرية، غير أنه مطلوبٌ، في جميع الأحوال، من السلطات أن تُحسن استيعاب التفاعلات الاجتماعية لهذا القرار، وأن تطمئن شرائح واسعة من البحرينيين بأن القرار لا يستهدفها من قريب أو بعيد، وأن القرار يمكن الرجوع عنه إذا تغيّرت الظروف والحيثيات التي أدت إلى صدوره، وأن الدولة هي دولة كل البحرينيين، بصرف النظر عن معتقداتهم، وأن حقوق المواطنة مكفولة بالدستور والقانون والإرادة السياسية، وأن تحول دون استفحال الانقسامات وأوجه الاستقطاب، ذلك أنه يسهل، في مثل هذه الظروف، على أطرافٍ خارجيةٍ معروفة، تغذية هذا الاستقطاب وشحنه بعوامل سلبية. 
أما جمعية الوفاق، على الرغم من صعوبة ظروفها، فهي مدعوةُ، كما كانت من قبل، إلى المراجعة، باتجاه أن تتبحرن (تتوطّن) أكثر، وأن تقطع الخيوط مع أية مرجعيةٍ سياسيةٍ في الخارج، والتوقف عن الخلط المتعمّد بين المرجعيتين، الدينية والسياسية، وأن تخاطب أبناء البلاد بصفتهم مواطنين، بعيداً عن أي انتماء آخر، وأن تُقرّ، بصورةٍ واضحةٍ، بشرعية النظام القائم، إلى جانب التمسك بالحق في التعدّدية السياسية، فحين لا يعترف طرفٌ سياسيٌّ محليٌّ بالنظام، فمن الطبيعي أن لا يعترف هذا النظام، من جهته، به، كما تمثّل ذلك في القرار الجديد بحق "الوفاق"، وهو حقاً قرار سياسي سيادي، أكثر مما هو قضائي.      العربي الجديد:محمود الريماوي